بدل عن ضائع

TT

كانت مارغريت ثاتشر أقرب الحلفاء إلى واشنطن والأكثر حماسةً للسياسة الأميركية. وقد ايدت الإدارة وساندتها حتى في أحد أكثر مواقفها استنكاراً في العالم، سواء بين الأصدقاء أو الخصوم. أي في التشيلي ودعم اغوستو بينوشيه، الديكتاتور الموصوف. لكن في الوقت نفسه كانت ثاتشر تعمل بالدرجة الأولى من أجل بريطانيا لا من أجل اميركا. وفي عز تلك العلاقة راحت تستغل الوضع الاقتصادي في أميركا من اجل ان تحول لندن الى مركز اقتصادي منافس لنيويورك وربما متقدم عليها.

الآن تحاول دولتان كبريان استغلال التخبط الأميركي في الشرق الأوسط: الصين وروسيا. وتحاول الصين التقرب من جميع الفرقاء دفعة واحدة، بينما تحاول روسيا ألا تغضب احداً. لكن يبدو ان النظام الاقتصادي ليس المتغير الوحيد في الصين التي تعيش الآن بالمتطلبات الاستهلاكية لأي دولة اخرى، من النفط الى السيارات الفاخرة الى اغلى دور الازياء الحديثة التي تملأ بكين الآن، خلافاً لذلك الطقم الموحد الشهير الذي عرف ببذلة ماو. وفيما يتكاثر الاعداء من حول اميركا، تحاول بكين استمالتهم الى صداقتها، هذه المرة دون أي استثناءات، ايديولوجية أو سواها. وتمارس روسيا الاتحادية سياسة مماثلة. ولذلك تلعب دورا غامضاً بين المتخاصمين من اجل ألا تغضب احداً، وعلى سبيل المثال اقترعت في مجلس الأمن الى جانب المحكمة الدولية في قضية الرئيس رفيق الحريري، لكنها طالبت خارج المجلس بتعديل بنودها. واستقبلت رئيس الحكومة اللبنانية فؤاد السنيورة الذي عاد مقتنعاً بأن موسكو تدعم سياساته كلياً، وبعد سفره استقبلت الرئيس السوري بشار الأسد الذي عاد مقتنعاً بالدعم الروسي التقليدي لدمشق. وعندما يتحدث السفير الروسي في بيروت عن القضايا العاجلة، يستخدم معرفته باللغة العربية لكي لا يقول شيئاً، أو لكي يقول كل الاشياء مرة واحدة. وكان السفير عضواً بارزاً في سفارة بيروت خلال الحرب اللبنانية، يوم كان الاتحاد السوفياتي يلعب دوراً رئيسياً في الصراع العنفي الدائر. لكن ذلك زمن وهذا زمن. ويحيط السفير نفسه بإطار من التواضع مظهراً الكثير من الحرص على عدم إظهار اي تحد أو أي استعلاء، كما كان الأمر مع السفراء السوفيات، الذين كانوا يرون في بيروت ساحة مثالية لمحاربة النفوذ الغربي ومواجهته.

انها الفرصة الذهبية بالنسبة للدولتين الكبريين. فقد زال من امامهما العائق الايديولوجي الذي كان قائماً في الصراع مع اميركا. انه اليوم صراع سياسي اقتصادي مع دولة غارقة في حرب العراق والنزاعات مع العرب، في حين تحاول الدولتان المنافستان الوقوف على مسافة واحدة من الجميع. وها هي بكين تعلم الفلسطينيين والاسرائيليين كيف يتفقون.