حوار

TT

لا ادري، على وجه الضبط، ما هو عدد الكلمات العربية التي أصبحت جزءا من لغات العالم، الأساسية منها والثانوية أو حتى اللهجات المحلية. لكنني اعتقد، دون جزم أو مستند علمي، أن كلمة Palabre، مأخوذة من كلمة «حوار» العربية، خصوصا أنها تعني الشيء نفسه. وبما أن اصل الكلمة عربي فقد نقلت كما هو حالها عندنا. أي لا معنى ولا اثر. وكان اشهر من استعارها شعارا له ولنظامه العريق جوزف موبوتو، الذي أصبح الجنرال موبوتو، الذي أصبح بحكم الشعور القومي، موبوتو سيسي سيكو كوكو نغبندو وازا بانغا، ولم يترك شيئا من اجل أفريقيا وعزتها لم يفعله: استحدث بزة حريرية خاصة، لا هي ثوب ماو ولا هي أوروبية. وحمل عصا خاصة، واعتمر قبعة خاصة. وألغى طبعا ربطة العنق الاستعمارية، واستبدلها بشال، ومع الشال منديل يوضع في الجيب الأعلى. على اليسار. إياك أن تضعه على اليمين، لأن جيب اليمين ليس قوميا ولا ثوريا.

وأصدر موبوتو، كما يروي «في. اس نايبول» كتابا يشرح فيه فلسفة الحكم، على غرار كتاب ماو. ولكي لا يكون احمر اللون، مثل كتاب ماو جعله اخضر. واستشهد فيه بأقوال مفكرين مثل مونتسكيو. وقالت صحيفة «ليما» الرسمية «إننا في زائير ورثنا من أجدادنا احترام حريات الآخرين. ولهذا حرص أجدادنا على روح الائتلاف. نشأ قومنا معتادين على الحوار، أي على النقاش الذي يضمن الحقوق والتوافق».

آه، كم كان موبوتو نغبندو وازا حريصا على الحوار مع الآخرين. كم كان متعمقا في فكر مونتسكيو صاحب «العقد الاجتماعي». ومن شدة حرصه سمى نفسه أشياء كثيرة بينها «قائد الثورة الزائيرية الأصيلة» و«أبو الأمة» و«الرئيس المؤسس لحركة الثورة الشعبية»، الحزب الوحيد في البلاد آنذاك، غير انه ظل لسنوات طويلة ينام في معسكر للجيش في كنشاسا. من كان موبوتو يقلد في كل شيء؟ كان يقلد ليوبولد الثاني، ملك بلجيكا التي استعمرت الكونغو لعقود. مثله تماما اعتبر انه يملك الكونغو وأهله كقطيع وقطعة ارض. الذين حلوا محل «القادة البائدين» على مدى العالم الثالث، قلدوهم في حياتهم وزادوا على التقليد بضعة قصور ترفع شعارات الاشتراكية. وعاملوا الناس كعبيد. وأضافوا إلى القصور الاشتراكية جميع مستلزمات الحداثة. واسقطوا ستارا حديديا على حرية القول والفكر. وأمر موبوتو بإبعاد مراسل البي. بي. سي لفترة أدناها 999 عاما. وتأملت الكاتبة البريطانية دوريس ليسبنغ في هذا العالم وقالت «إنهم يهددوننا دائما بالخوف من زوال الإنسانية، كأنما مثل هذه الإنسانية تستحق البقاء». إنها، تقول ليسبنغ «إنسانية القتل بضمائر مرتاحة».