الرحلة فشلت ولكنه قد نجح!

TT

السفينة غرقت ـ ولكن الرحلة نجحت.

«رع» المصنوعة من الورق، قاومت الأمواج شهرين.. أما رحالتها فقد عادوا إلى الشاطئ يحدثون العالم كله عما جرى لهم. ولكن ما الذي جعل البحار النرويجي هايردال يقوم بهذه الرحلة ليؤكد أن الفراعنة هم أول من سافر إلى أمريكا قبل كولمبوس بأربعين قرنا؟!

هناك أسباب متعددة مختلفة..

من بينها أن «التاريخ واحد».. أي أن هناك اتصالا مستمرا بين كل الحضارات القديمة.. وأنها تتأثر بعضها ببعض.. ربما لأن الأرض متصلة والحياة متصلة، فلا بد أن تكون الشعوب قد مشت على الأرض من جانب إلى جانب، وعبرت الماء من شاطئ إلى شاطئ.. فذهب الفراعنة إلى أمريكا وأقاموا أهرام المكسيك. وهناك سبب آخر، وهو أننا نعيش في جو من التشاؤم واليأس..وهذا التشاؤم يجعلنا ننظر إلى الماضي على أنه أحسن.. وعلى أن العصور الذهبية للإنسانية كلها كانت وراءنا.. فأجدادنا أحسن من آبائنا.. وأجداد أجدادنا أحسن الجميع.. ولذلك فالفراعنة هم الذين عرفوا كل شيء وجربوا كل شيء.. ووصلوا إلى كل شيء قبل أن نصل نحن إليه في العصر الحديث. أي وصلوا إلى أمريكا قبل أن يصل إليها كولمبوس.. وعلى زوارق من الورق.. لا من الخشب.. أو عابرات المحيطات؟!

والتشاؤم يبلغ أقصى درجاته عندما نقول إن الفراعنة ليسوا هم مصدر الحضارة وإنما هم بقايا حضارة أخرى جاءت من سكان كواكب أخرى.. أعقل وأحكم منا.. وأن هؤلاء السكان قد هبطوا إلى الأرض وعلمونا، ثم لأسباب لا نعرفها اختفوا!! وهناك سبب أخلاقي يدفعنا إلى تمجيد الماضي البعيد.. وهو أن الإنسان في العصر الحديث قد أصبح مغرورا.. وأنه تصور أنه سيد الأكوان.. وأنه قد وصل إلى القمر.. أي أنه وصل إلى كل ما في الكون من ألغاز وأسرار.. مع أن الذي نعرفه قليل جدا إذا قورن بما لا نعرفه.. فالعالم الانجليزي نيوتن وصف نفسه بأنه مثل طفل يلهو في الرمال على شاطئ محيط الحقيقة.. والعالم الألماني اينشتاين وصف الذي يعرفه والذي لا يعرفه من أسرار الكون مثل «طابع بريد» وضع فوق مسلة فرعونية قديمة.. فالذي يعرفه تافه، مع أننا نراه واحدا من كبار العباقرة. ثم أن هذا البحار هايردال حاول أن يعطي لمغامراته هذه صفة مشروعة أو شرعية، فبدلا من أن يبدو مغامرا جريئا أكد لنا أنه: مفوض من قبل التاريخ الفرعوني بأن يفعل ذلك.. لأن الفراعنة قد سبقوه إلى عبور المحيط.

على كل حال هو حاول ونجح.. وليست قصته إلا حفلة تكريم أقامها لنفسه.. ولنا أيضا!