البعثات الخارجية.. ضرورة للخروج من إشكالية تكرار الذات

TT

كنت أدرس في جامعة أميركية من بين أنظمتها قانون يمنع خريجي تلك الجامعة من التدريس فيها خشية أن يكرر الخريج ما تعلمه من مدرسيه على تلاميذه، الأمر الذي سوف يطبع الجامعة بسمة الجمود والتخلف والرتابة، وهم يرون أن الجامعة تجدد نفسها، وتنوع مصادرها بالانفتاح على خبرات متنوعة تأتيها من خريجي الجامعات الأخرى حينما يقومون بالتدريس في كلياتها، ويستحسن الكثيرون في أميركا نهج تلك الجامعة، ويرون فيه الكثير من الإيجابيات التي تصبغ الجامعة بالحيوية والتجدد والبعد عن النمطية.

تذكرت فلسفة تلك الجامعة وأنا أتابع برنامج خادم الحرمين الشريفين للابتعاث الخارجي، إذ أعلنت وزارة التعليم العالي بالأمس أسماء 5102 من المقبولين نهائيا للابتعاث الخارجي إلى مجموعة من الدول، ومن ضمن هؤلاء المبتعثين عدد من طلاب الدراسات العليا، فهذا البرنامج الطموح يعكس الإدراك الواعي لحاجتنا العلمية والمعرفية إلى التنوع والتجدد والحيوية، فتلك الأصوات التي تعالت ذات يوم تنتقد برامج الابتعاث الخارجي، واستجيب لها ـ في ظرف ما ـ بتقليص عدد الطلاب المبتعثين أشعر اليوم أنها قد أضرت بنا كثيرا، فلقد قلصت التنوع المعرفي، وحدت من عوامل التجدد، خاصة أن بعض جامعاتنا قد توسعت إبان الفترة السابقة في برامج الدراسات العليا، التي انضم خريجوها إلى هيئة التدريس بها، وغدا جلهم نسخة مكررة من أساتذتهم، وبالتالي افتقرت تلك الجامعات إلى روافد علمية جديدة تمنحها المزيد من الحيوية والتنوع.

ولهذا السبب أتصور أن برنامج مكثف لزيارات متبادلة بين أساتذة جامعاتنا المحلية كأن يقوم بعض من أساتذة جامعة للتدريس في جامعة أخرى لفصل دراسي أو أكثر والعكس، من شأنه إثراء خبراتنا الجامعية، وسيكون الأثر أهم وأكبر لو قدر تطبيق مثل هذا البرنامج مع عدد من الجامعات الخارجية، فكبريات الدول المتقدمة رغم ذخيرتها من حملة الشهادات العليا لا تزال جامعاتها تحرص على أن يوجد بين هيئتها التعليمية عدد من الأساتذة الزائرين، ففي الجامعات الأميركية ـ كمثال ـ أعداد كبيرة من الأساتذة العرب والأوروبيين والآسيويين من دون أن يمنع أميركا كبرياؤها العلمي من إعلان حاجتها إلى خبرات هؤلاء، ولم يقل أحد هناك بضرورة «أمركة» أو توطين وظائف التدريس في الجامعات الأميركية كما تفعل الكثير من الجامعات في العالم الثالث..

وحسنا أن يستشعر البرنامج السعودي الطموح للابتعاث الخارجي هذه الرؤية، فالدخول إلى ساحة المعرفة العالمية المعاصرة يتطلب مثل هذا الانفتاح العلمي على الآخرين.