سيادة القط

TT

قال الحكماء، ويلعن الله الكاذب، انك لصرف الفتاة من الإثم ,عليك بإشغالها بزوج. ولصرف الزوج عن الخيانة الزوجية, عليك إشغاله بالاولاد، ولصرف الاولاد عن المخانقات, عليك إشغالهم بقط؟

همست بهذه الحكمة لصديق انجليزي وأعربت عن رغبتي بشراء قطة. بادر الى تصحيحي وتهذيبي. فالظاهر ان القطط تعامل هنا معاملة خاصة جدا. لا تقل اشتريت قطة وقل استهديتها، ولا تقل بعتها بل قل اهديتها، رغم المبلغ الكبير الذي دفعته عنها. نصحوني بالاتصال بإحدى جمعيات حماية القطط، فالظاهر انها في الغرب اكثر من جمعيات حماية الانسان، بل وتزيد عددا عن لجان الجامعة العربية. إذن فليكن ما كان، وما كان هو ان جمعية القط فتحت لي ملفا اضخم واشمل من ملفات دوائر الأمن والمخابرات في عالمنا العربي. بعد دراسة وافية عن سيرة حياتي وحسن سلوكي وسلامتي من أي علة مخلة بالأدب، بلغوني بعد ايام بالموافقة على شخصي كرجل صالح للعناية بالقطط. ابلغوني بوجود واحدة تليق بي. او بالأحرى أليق أنا لها.

سألتهم اين تسكن القطة المصون لأذهب وآتي بها بزفة تليق بمقامها.

«كلا هذا خلاف التعليمات». «نحن نأتي بها الى بيتك». شكرتهم على ما حسبته خدمة وتقديرا لي. ولكن الواقع كان غير ذلك. جاءت سكرتيرة الجمعية وطلبت السماح بتفتيش البيت. كم غرفة فيه؟ ما هو أثاثه؟ هل زود بمانعات الحريق؟ ما هي وسائل التدفئة ؟ اين صهاريج الماء؟ ثم خرجت للحديقة وتأملتها جيدا. استجوبتني بشأن الاسمدة وتقليم الاشجار وانواع الازهار. من يدري ربما لا يحب هذا القط ورد البنفسج. اخيرا سمعت السيدة تهمهم وتقول «لا بأس! لا بأس! البيت بوجه عام مناسب للقطط». اللهم زد وبارك. بيتنا يصلح للقطط.

ثم سألتني امينة سر القطط فجأة. واين سيكون منام القطة؟ أشرت للزاوية قرب الباب. «كلا هذا لا يصلح بتاتا. هذا مكان معرض للتيارات الهوائية وربما يصيب ذلك هذا الحيوان الوديع بالربو او الروماتزم. وبالاضافة فالقطط لا تحب الضوضاء».

رغم كل تأكيداتنا بعزمنا على المشي على أطراف أصابعنا كما تفعل القطط تماما فقد اصرت السيدة الفاضلة على عدم قبول أي شيء غير صدر غرفة الاستقبال. ثم جاء موضوع التغذية. المعلبات المعززة بالفيتامينات وخلاصة الكبد هي الشيء المعتاد للحيوانات البيتية. ولكن سوء حظي جاءني بسيدة لا تشجع صناعة التعليب وتتمسك تمسكا حنبليا بالغذاء الطبيعي. سألتني عما نأكل في البيت وانواع اللحوم التي نستذوقها. «كل شيء تقريبا الا الدم ولحم الخنزير. نحن اناس مسلمون». عادت وسألتني. اين الاولاد؟ كانت زوجتي قد حممتهم ومشطت شعورهم وألبستهم ملابس العيد وأعدتهم للمقابلة. بيد ان ولدي نايل جاء ومعه البوق الذي يعتز به.

«بوق!؟» صرخت بنا السيدة امينة سر القطط باستياء وغضب. «قلت لكم القطط لا تحب الضوضاء».

وهذا كان آخر عهدنا بمحاولة تربية قطة. فقد أصر نايل على تفضيل البوق. حملت السيدة الفاضلة قطتها وأسرعت بها الى السيارة درءا لها من قضاء أكثر مما قضت في بيت فيه بوق وموسيقى.