إلى المسلمين : إدانة.. لكنها بلسانكم

TT

من الصعب معرفة أيهما أكثر إثارة للقلق: عمليات القتل الوحشية من السنة والشيعة في العراق، أم الصمت المطبق الذي يتلقى به العالم الإسلامي عمليات القتال الجماعية؟ كيف يمكن أن تؤدي سلسلة الرسومات الكارتونية للنبي محمد إلى احتجـاجـات جمـاعية تميزت بالعنف، في الوقت الذي يثير فيه العنف، الذي لا يمكن وصفه، من المسلمين ضد المسلمين في العراق كل يوم نفس ردود الفعل الذي تثيره نشرات الطقس في العالم العربي الإسلامي؟ أين مارتن لوثر كينغ المسلم؟ أين «مسيرة المليون مسلم» تحت شعار «لا شيعة ولا سنة، نحن أبناء النبي محمد».

أستطيع فهم منطق انعدام الاحتجاج عندما يقتل المسلمون اميركيين في العراق. فالعديد يعتبرنا محتلين. ولكن لا أستطيع فهم لماذا لم يؤد القتل الجماعي لسبعين طالبا جامعيا في الأسبوع الماضي على يد انتحاريين سنة، أو نسف مسجد شيعي في أول أيام رمضان عام 2005، إلا إلى رد فعل بسيط.

أثير هذه التساؤلات لان الأمل الوحيد بالنسبة للعراق ـ إذا كان هناك من أمل ـ ليس في الاستراتيجية الاميركية لمكافحة التمرد. ربما يكون ذلك ضروريا، ولكن بدون استراتيجية إسلامية لمكافحة العدمية التي لا تقر قتل المسلم على يد المسلم، لا يوجد أي أمل لسياسيات مرضية هناك.

يصف القرآن النبي محمد بأنه «رسول الرحمة» كما أوضح حسين حقاني مدير مركز جامعة بوسطن للعلاقات الدولية، وهو باكستاني المولد. ويبدأ المسلمون كل أفعالهم، بما في ذلك الصلاة، بعبارة «بسم الله الرحمن الرحيم» كما يقول القرآن «لكم دينكم ولي دين» ولكن ولسوء الحظ هذه الأفكار التي تركز على الرحمة وتحقيق السلام ضاعت (اليوم) في بعض تجليات الخطاب الشامل في العالم الإسلامي حول استعادة العظمة المفقودة بالقضاء على مظالم الهيمنة الغربية.

وظهور مارتن لوثر كينغ «مسلم» يتطلب تغيير الخطاب الإسلامي من التركيز على القوة والعظمة إلى «تحمل المسؤولية كمجتمع لموقفنا بطريقة عادلة، وظهور مارتن لوثر كينغ يتطلب مساحة من الحرية» كما أشار سعد الدين إبراهيم الناشط المصري الشجاع في مجال الديمقراطية. ولكن في الوقت الراهن فإن العديد من الليبراليين في العالم العربي هم تحت الإقامة الجبرية بطريقة أو أخرى. وذكر ابراهيم وهو مفكر ليبرالي «في الوقت الذي يمكن للإسلاميين الوصول إلى آلاف المساجد والالتقاء بأنصارهم خمس مرات في اليوم» فإن الأعضاء الليبراليين لمعهده «يكــادون يتحركون بصعوبة في القاهرة، بغض النظر عن تنظيم مسيرة». الانظمة العربية تريد من اميركا الاعتقاد بوجود اختيارين فقط: الإسلاميون والنظم، ولذا فستقف إلى جانب النظم، وهذا واحد من الأسباب التي تجعل سعد الدين إبراهيم يأمل بتبني الإسلاميين للأجندة الديمقراطية ونقلها للجماهير. وواحد من اكثر القيادات الاسلامية شهرة في العالم العربي اليوم هو الشيخ حسن نصر الله. ويبدو حتى الآن أن قادة حزب الله وحماس يفضلون أن يصبحوا دمى في يد سوريا وإيران أكثر من كونهم عناصر للتغييرات الديمقراطية والمصالحة الإسلامية.

وهناك الكثير من المخاطر. إذا ما انهار العراق بسبب العدمية الانتحارية الإسلامية، فإنها ستصبح لطخة في تاريخنا.. فنحن الذين فتحنا هذا الصندوق. ولكنها ستصبح طعونا في مستقبل العالم الإسلامي بأكمله.

وإذا ما تمكن المسلمون العرب من تجميع الإرادة للاحتجاج ليس فقط ضد إهانات «الأجانب» وليس الإصابات التي يتعرضون لها من بعضهم البعض، فكيف يمكنهم تشكيل مجتمع دولي أو ديمقراطي يحترم ويحمي أصوات الأقلية ووجهات النظر غير العادية؟ وإذا لم يتمكن السنة والشيعة من تحقيق العقد الاجتماعي لحكم أنفسهم ـ ويحتاجون دائما إلى ديكتاتور بيد حديدية ـ فإن الحكومة المتزنة لن تتحقق أبدا. حذر الشاعر ـ السوري المولد ـ الصادق علي احمد سعيد، المعروف باسم «ادونيس»، في مقابلة من باريس مع تلفزيون دبي، من المخاطر (الترجمة من memri) بالقول «الفرد العربي ليس بأقل ذكاء او عبقرية من أي شخص اخر في العالم. يمكنه التفوق ولكن خارج مجتمعه، اذا ما نظرت الى العرب، بكل مواردهم وقدراتهم العظيمة، وقارنت ما توصلوا إليه في القرن الماضي، بما توصل إليه الآخرون في تلك الفترة». يجب علي القول إن العرب في مرحلة الانقراض، من منطلق انه ليس لدينا أي وجود إبداعي في العالم. لدينا الحجم. ولدينا الجماهير ولكن الشعب ينقرض عندما لا تصبح لديه قدرات ابداعية، والقدرة على تغيير العالم.

* خدمة «نيويورك تايمز»