كلنا في الهم «غرب»

TT

من كان يتصور أن ست سنوات من قيادة الرئيس الأميركي جورج بوش شبه الآحادية لعالم اليوم سيكون إنجازها الأبرز زعزعة استقرار دول الهلال الخصيب، بشكل لم تشهده منذ أن عاشت تداعيات صدمة هزيمة حرب فلسطين عام 1948؟

من كان يعتقد أن ست سنوات من حكم أعتى مكافح لـ«الإرهاب الدولي»، ستفتح بؤرا جديدة للإرهاب، وفي الشرق الأوسط بالذات؟

من كان يتوقع بأن حملة الرئيس بوش الدبلوماسية والعسكرية على «الإرهاب الدولي»، ستؤدي إلى تعزيز موقع الدولة الأصولية المتهمة قبل غيرها في الشرق الأوسط بـ«رعاية الإرهاب»، أي إيران، وعلى حساب الدول العربية غير الأصولية، أي العراق وربما لبنان إذا نجح مخطط حلف الأصوليين والوصوليين؟

وليت الأمر اقتصر على ذلك فحسب، فقد أصبح اللافت على هذا الصعيد انه بقدر ما يزداد «التدخل» الأميركي في أي دولة من دول الهلال الخصيب.. بقدر ما تزداد أوضاعها تدهورا والأمثلة على ذلك أكثر من أن تحصى:

الوضع في العراق لا يمكن أن يكون أسوأ مما هو عليه.

الوضع في فلسطين المحتلة، لا يمكن أن يكون أسوأ مما هو عليه.

الوضع في لبنان لا يمكن أن يكون أسوأ مما هو عليه.

وحتى في الدولة الدخيلة على المنطقة، إسرائيل، لا يمكن للوضع الراهن لحكومة ايهود اولمرت، أن يكون أسوأ مما هو عليه.

ربما كانت التعزية الوحيدة لهذه الدول في أن الوضع السياسي للرئيس جورج بوش نفسه لا يمكن أن يكون أسوأ مما هو عليه، سواء على صعيد الكونغرس أم صعيد الشارع الاميركي ما يسمح بالقول أننا أصبحنا كلنا «في الهم غرب».

أللهم ليست دعوة لفك ارتباط الشرق الأوسط بالزعامة الأحادية للعالم. فلا المنطقة قادرة على ذلك ولا واقعها السياسي ـ الاستراتيجي يسمح بها، ولا الزعامة الأحادية في وارد التخلي عنها.. ولكنها دعوة للإدارة الاميركية بأن «تلحق نفسها» قبل فوات الآون ـ أي قبل انتهاء ولاية الرئيس جورج بوش بعد عشرين شهرا تقريبا ـ وتحقق اختراقا إيجابيا واحدا في أزمات الشرق الأوسط يتيح للرئيس بوش، إذا قرر يوما أن يكتب مذكرات عهده في الرئاسة، مجال إدراجه في خانة «نجاح» ما حققه إبان هذا العهد. قد لا يكون من المبالغة في شيء الادعاء بأن الرئيس بوش أصبح، سياسيا ونفسيا أيضا، بحاجة إلى إنجاز سريع في الشرق الأوسط يشكل رافعة سياسية للفترة المتبقية من عهده ويرفع معنويات الحزب الجمهوري، قبل أشهر من موعد الانتخابات الرئاسية المقبلة.

لو حكمت الإدارة الاميركية «البراغماتيكية» في انتقاء المشكلة الشرق أوسطية الأكثر قابلية للحل من غيرها في الظروف الإقليمية الراهنة، لكان الجواب البديهي المشكلة الفلسطينية ليس فقط لأنها «القضية الأم» في الشرق الأوسط، وليس لوجود تيار مؤثر في واشنطن يعتبر ان حل القضية الفلسطينية هو المدخل الطبيعي للبدء بمقاربة واقعية لمشاكل عدة مرتبطة ـ مباشرة أو غير مباشرة ـ بالحرب على «الإرهاب» ـ وليس لأن الأرضية المطلوبة لهذه التسوية، أي «خريطة الطريق» جاهزة منذ أربع سنوات، ومقبولة من حيث المبدأ فلسطينيا وإسرائيليا.. بل لأن الواقعين الفلسطيني والإسرائيلي الراهنين يتيحان لواشنطن فرصة مناسبة للدفع باتجاه هذه التسوية: حكومة أيهود اولمرت بحاجة إلى إنجاز أمني يعوض فشلها في القضاء على حزب الله في حرب الثلاثة وثلاثين يوما، والشارع الفلسطيني بحاجة إلى خطوة ملموسة في مسيرة قيام الدولة لتحقيق انفراج يبعد فتح وحماس عن شفير نزاع مسلح.

غير خاف أن حكومة إسرائيل اليوم في أضعف وضع ممكن لمواجهة الضغوط الاميركية في حال توفرت الجدية الكافية لتحريكها (بدليل رفض أولمرت فتح ملف التسوية السلمية مع سورية مخافة إغضاب الرئيس بوش)، فإسرائيل اليوم، وربما للمرة الأولى منذ قيامها قبل ستة عقود، لا تملك قيادة سياسية مقنعة ـ لشعبها وللخارج معا ـ ولا خيارات سهلة لمستقبلها، فيما التحديات التي تواجهها تتصاعد باطراد. والاعتراف الرسمي بـ«إخفاقات» رئيس أركانها، دان حالوتس، في المواجهة العسكرية مع حزب الله الصيف الماضي، والشكوك الشعبية الواسعة التي أفرزتها هذه الإخفاقات حيال «ضمانة» الجيش الإسرائيلي لمستقبل إسرائيل، تظهر جليا حاجة إسرائيل الماسة إلى سلام يتيح لها التعايش السلمي مع جوارها.

الا ان المؤسف ان عناوين الدورالاميركي المطلوب في فلسطين لا تزال مشوشة، ففيما يعرب إيهود اولمرت عن استعداده للاجتماع برئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، الشهر المقبل، تواصل واشنطن تزويد «فتح» بالسلاح والعتاد العسكري، وكأنها تسعى إلى تأجيج النزاع بين «حماس» و«فتح». وغني عن القول ان انحياز واشنطن الى أي طرف من اطراف حرب أهلية محتملة بين الفلسطينيين، لن يكون الوسيلة الاسلم للتوصل الى تسوية سلمية للقضية الفلسطينية.