إيران: شطرنج النووي والعلاقات الدولية

TT

ماذا قال الشيخ حمد بن جاسم آل ثاني للرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد في طهران قبل أيام؟ فقد توجه وزير الخارجية القطري إلى طهران ليسلم رسالة من أميره الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني إلى أحمدي نجاد. غير أن الوزير القطري، وفقا لوسائل الإعلام الرسمية في طهران، جاء ليطرح ثلاث رسائل:

* تقف قطر بقوة وراء الجمهورية الإسلامية في الجولة المقبلة لنزاعها مع مجلس الأمن في مارس المقبل.

* تقدر قطر دور الزعامة الذي تسعى إليه الجمهورية الإسلامية في المنطقة وفي العالم الإسلامي عموما.

* الولايات المتحدة واجهت «هزيمة محققة» في الشرق الأوسط، ولن تكون في وضع يؤهلها لمهاجمة إيران و«فرض خططها» على المنطقة.

وقد لا نعرف بالتأكيد ما إذا كان الشيخ قد قال هذه الأشياء أم لم يقلها.

وما يهم هو أن الطرف الخميني الراديكالي في طهران يعتقد أن الزائر القطري قال تلك الأشياء.

فبعد ساعات من استقبال الزائر القطري هاجم أحمدي نجاد أولئك الذين يقولون انه يقود البلاد إلى الحرب.

وتساءل «أية حرب؟ يقول بعض الناس اننا نتجه إلى الحرب؟ أية حرب أيها السادة؟ إن المحرضين على الحرب (أي الولايات المتحدة) في تراجع. إنهم يقولون إننا سندفع ثمنا باهظا للمعارضة. أي ثمن؟ أي ثمن دفعناه؟».

بل إن حسين إلهام، المتحدث الرسمي باسم الرئيس، كان أكثر ثقة بالنفس عندما تحدث إلى الصحافيين بعد 24 ساعة. فقد ادعى ان جيران إيران يقفون بقوة خلفها، بينما جند الرئيس أيضا حلفاء جددا في مختلف أنحاء العالم، خصوصا في أميركا اللاتينية.

وأحمدي نجاد مقتنع بأن التوتر الحالي لا يمثل شيئا سوى «حرب سايكولوجية» ضد الجمهورية الإسلامية. بل ان الرئيس أكثر رفضا لـ«حديث الحرب» في السر. ففي زيارة قام بها مؤخرا إلى كاراكاس ابلغ الرئيس الفنزويلي هوغو شافيز بأن الأميركيين يهددون بشن «حرب استباقية» على أمل إرغام الجمهورية الإسلامية على «استسلام استباقي».

وتساءل أحمدي نجاد في حديثه مع دانيل أورتيغا، رئيس نيكاراغوا الجديد «لمإذا يتعين علينا أن نتوقف حينما لا يوجد مطب في الطريق؟».

ومن الواضح أن الرئيس الراديكالي قد أقام سيرته السياسية، وربما حياته بأسرها، على رفض الانحناء أمام الضغط الخارجي، بل والترحيب، إذا كان ضروريا، بالمجابهة العسكرية مع الولايات المتحدة.

إن لديه جدول مواعيده، ابتداء من الخطط التي يعلنها، ربما في الحادي عشر من فبراير، والقاضية بأن الجمهورية الإسلامية قد صنعت ما يكفي من أجهزة الطرد المركزي لإنتاج رأس حربي نووي، ولكنها لن تفعل ذلك في الوقت الحالي.

كما قرر أحمدي نجاد اختبار الأميركيين في أفغانستان والعراق عبر إصدار الأوامر لوكلاء إيران هناك لتصعيد النشاطات ضد القوات الأميركية وقوات التحالف. وكانت هجمات الأسبوع الماضي في كربلاء والبصرة، المدينتين العراقيتين الشيعيتين اللتين كانتا هادئتين، جزءا من تلك الخطة.

ويرتبط جزء آخر من خطته بالقيام بانقلاب من جانب حزب الله بمساعدة طرف من المارونيين، يقوده ميشيل عون. ووفقا لمصادر في طهران فإنه في حالة مهاجمة إيران، فإن حزب الله سيشكل لجنة أمن عام يرأسها عون وتستولي على بيروت.

كما يعتقد احمدي نجاد بأن الرأي العام الأميركي لن يسمح للرئيس جورج دبليو بوش بالقيام بإجراء عسكري ضد النظام الخميني. وتهتم وسائل الإعلام الرسمية في طهران بالإعلان عن آراء خصوم بوش إلى أقصى حد.

فقد جرى، على سبيل المثال، الكشف على أوسع نطاق من جانب وكالة الأنباء الرسمية للجمهورية الإسلامية لمقابلة أجريت مؤخرا مع جورج سوروس رجل الأعمال المناهض لبوش.

وفي المقابلة زعم سوروس ان بوش لا يتمتع بشعبية إلى حد أنه لا يتجرأ على السفر إلى معظم الولايات. والنجم الآخر في إعلام طهران هو عضو الكونغرس دينيس كوسينيتش، الديمقراطي المناهض لبوش، الذي يقدم، لأسباب غير معروفة، باعتباره «زعيما جمهوريا». أما الناشط لآخر ضد بوش فهو عالم اللسانيات نعوم تشومسكي الذي يقدم باعتباره «أكبر فيلسوف في الغرب»، ويتشهد كثيرا بأقوال له دعما لمقاومة الجمهورية الإسلامية لـ«الامبريالية». كما إن وسائل الإعلام الرسمية اهتمت اهتماما كبيرا بقرار غير ملزم للكونغرس تقدم به عدد من أعضاء الكونغرس الجمهوريين. ويدعو القرار الرئيس بوش لاستشارة الكونغرس قبل اتخاذ قرارات عسكرية ضد نظام الخميني. الذي لم تلاحظه طهران، هو أن القرار استثنائي: فالرئيس يمكنه اتخاذ قرارات عسكرية إذا ما هاجمت الجمهورية الإسلامية القوات الاميركية أو قوات الحلفاء.

حسنا، الجمهورية الإسلامية، هي في الواقع، تهاجم القوات الاميركية وقوات الحلفاء في العراق وأفغانستان. وبغض النظر عن الرأي العام الاميركي، فأحمدي نجاد يعتمد على مخاوف جيران إيران كعامل لمنع النزاع.

وطبقا لوكالة الانباء الإيرانية (ايرنا) فإن أحمدي نجاد ابلغ الوزير القطري أن على جيران إيران «التعرف على أفضل مصالحهم»، والوقوف الى جانب الجمهورية الإسلامية.

وفي تفسير يثير التساؤلات حول ميثاق منظمة المؤتمر الإسلامي، أوضح احمدي نجاد أن أي هجوم على دولة إسلامية، يجب اعتباره هجوما على كل الدول الإسلامية.

ويأمل احمدي نجاد في أن تشق قطر وسلطنة عمان مجلس التعاون الخليجي. بينما ستمنع سوريا وليبيا والسودان ظهور موقف عربي موحد ضد تهديدات ايران.

كما يعتمد احمدي نجاد أيضا على فرنسا وروسيا لشق مجلس الأمن وعزل الولايات المتحدة. فقرار الرئيس شيراك لفتح قنوات اتصال مباشرة مع أحمدي نجاد بإرسال مبعوث خاص، يعتبر في وجهة نظر بعض الخبراء، أن فرنسا ستعارض الخطط الاميركية لمزيد من العقوبات ضد إيران. كما ان الجمهورية الإسلامية تضاعف جهودها لإقناع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بدعوة احمدي نجاد إلى موسكو قبل الدورة القادم لمجلس الأمن في شهر مارس.

وبالرغم من ذلك فقد أصدر الرئيس قائمة بالتهديدات عبر حسين شريعة مداري، رئيس تحرير صحيفة كيهان، وواحد من المتحدثين باسم الجناح الخميني الراديكالي.

وقال شريعة مداري في افتتاحية في الأسبوع الماضي «يجب على الاميركيين فهم العواقب الوخيمة لأي تصرف أحمق من جانبهم».

ثم كتب سلسلة من التحذيرات:

* ستهاجم الجمهورية الإسلامية القوات الاميركية وقوات الحلفاء في أفغانستان والعراق.

* ستوقف الجمهورية الإسلامية تدفق النفط عبر مضيق هرمز، وتحرم السوق العالمي من 24 مليون برميل في اليوم.

* ستنطلق عاصفة من الصواريخ ضد إسرائيل، بحيث تتحول البلاد إلى «جحيم على الأرض قبل ذهابهم إلى الجحيم الحقيقي.

* الدول العربية الحليفة لأميركا ستعرض وجودها للخطر.

* ستوجه الدعوة إلى شعوب مصر والأردن «وأجزاء من شبه الجزيرة» للانتفاضة ضد حكوماتهم للانتقام من حكامهم.

ماذا يذكرك كل ذلك: الإجابة الواضحة هي «صدام حسين وأوهامه في عام 2003. فقد كان الزعيم البعثي الراحل على ثقة من أن انقسام العرب، والمنافسات الغربية وخصائص النظام الديمقراطي الاميركي ستؤدي في النهاية إلى حماية نظامه من أي هجوم.

وبالطبع فعملية إعادة إنتاج الأفلام القديمة مرة أخرى مثل فيلم «عودة طرازان» نادرا ما تنجح، ونفس الشيء ينطبق على عودة صدام حسين، هذه المرة بصيغة أخرى.

وتعتقد الاجنحة المحافظة في النظام، التي تتهم الأجنحة الراديكالية بعدم الاهتمام، بضرورة اتخاذ تهديدات الحرب بجدية.

لقد ذكر الرئيس السابق هاشمي رافسنجاني، حامل لواء المحافظين، في عدة اجتماعات، انه إذا لم يتم تصحيح المسار الحالي، فإن النظام سيتجه للحرب مع الولايات المتحدة. وردد أتباعه بين الملالي وجهة النظر هذه، بمن فيهم الرئيس السابق محمد خاتمي ورئيس المجلس السابق مهدي كروبي.

والسؤال هو: هل ستجد أصواتهم من يستمع لها قبل فوات الأوان؟