مع المستشرقين وخصومهم

TT

حاولت خلال وجودي في القاهرة، ان التقي رجلين: الدكتور علي السمان والدكتور أنور عبد الملك. كنت أتمنى أن استعيد مع الدكتور السمان تفاصيل حدث ثقافي وسياسي مهم وقع عشية 1967. فقد كان هو الرجل الذي رتب زيارة جان بول سارتر الى القاهرة في تلك المرحلة، مع ان الكاتب الفرنسي كان معروفا، مثل معظم أهل اليسار في حينها، بدعم اسرائيل، ولذلك اعتبر مجيء سارتر الى القاهرة حدثا. ورأى كثيرون في نجاح علي السمان في تلك المهمة، وفي تلك الظروف، خرقا سياسيا في اتجاهات السلوك الثقافي الفرنسي.

التقيت الدكتور أنور عبد الملك لقاء عابرا في باريس في الستينات، عندما ترك مصر ليدرس في السوربون، وقد بقي في فرنسا سحابة ربع قرن أو أكثر، قبل أن يعود الى القاهرة، متقاعدا من العمل الاكاديمي اليومي، ومنخرطا على الدوام في العمل الفكري، وصامدا في ثمانينيته أمام المتغيرات والتحولات الثقافية. وكنت أتمنى من مقابلة الدكتور عبد الملك، ان اطرح ما يجول في خاطري من اسئلة حول مسألة الاستشراق، التي كان هو أول من طرحها أمام الغرب على صعيد جدي، وكان أول من اثار الردود من كبار المستشرقين. ومعروف ان صدور كتاب ادوارد سعيد عن الاستشراق، عاد فطرح القضية على نطاق أوسع، لسبب واضح، وهو ان حضور عبد الملك الثقافي محصور في العالم الفرانكوفوني الاكاديمي، في حين ان ادوارد سعيد كان له حضور خارج نطاق الاكاديميا ويتعدى الدوائر الثقافية الى دائرة القراءة العامة. ثم ان اسم ادوارد سعيد وشهرته واثارته للجدل، ارتبط في مرحلة ما، بوهج القضية الفلسطينية. ولم يعامل في المحيط الثقافي العالمي، على انه صاحب منطلقات يسارية مرسومة مثل عبد الملك، بل على انه معبر عن حالة من الشعور القومي المتألم من الارث الاستعماري والرافض له.

غادرت القاهرة من دون اللقاءين، لكن ظل في خاطري ان اعود الى موضوع الاستشراق الذي لي فيه رأي آخر، مغاير لرأي الدكتور عبد الملك والاستاذ ادوارد سعيد. ولا ضرورة للتوضيح، أو للتمهيد بأن موقفي ليس اكاديميا ولا يقوم على الدراسات والمستندات التي اقام عليها الرجلان دعواهما. وقد كانت هناك ردود كثيرة عليهما من اكاديميي الغرب ومستشرقيه، ومن بينهم برنارد لويس، ولا استطيع طبعا ان اضيف شيئا، لكن في ودي ان اطرح على الاستاذ عبد الملك السؤال: بعد اربعين عاما، هل هناك اعادة نظر؟ ألا يعتقد، على الأقل، ان الموقف الماركسي الذي انطلق منه، جعله يتغاضى عما وضعه المستشرقون السوفيات، ليتوقف فقط ـ كما فعل سعيد فيما بعد ـ أمام فريق واحد من المستشرقين؟ الى اللقاء.