حياتنا: شظايا وبقايا

TT

أحيانا أشعر أنني قلب كبير.. وان هذا القلب يتسع لكل الناس.. الذي يساوي والذي لا يساوي.. وعندما يمتلئ قلبي بالناس أنزعه من صدري وأخطف رجلي إلى داخل قلبي فلا أجد لي مكانا بين الناس. لقد ضاق قلبي مني.

وأضيع ولا أجد نفسي ولا أجد قلبي.. وإنما أجد ورشة للسيارات من كل نوع .. وأجد من ضمن أهداف هذه السيارة تحطم هذا القلب ونقل أنقاضه إلى اي مكان آخر..

والمصيبة أن قلبي إذا امتلأ أوجعني.. وإذا لم يكن هناك قلب، لم أكن هناك.. ولا حياة، ومن الصعب إن يكون القلب كالفندق.. يدخله الناس من باب ويخرجون من باب آخر.. ويصبح الناس «ترانزيت» ليلة أو ليلتين ويختفون ويظهر غيرهم.. إن كونراد هيلتون صاحب الفنادق لم يفلح أن يكون كذلك.. لقد ضاق قلبه بعشرة من إخوته.. فلما ظهر عشرة آخرون ومئات الموظفين تحطم قلبه.. ولما حاول إصلاحه وفتحه على الآخر لكل الناس نصحه الأطباء بإقفال الباب والشباك والشيش والعينين.. اي يجب ان يبدو ميتا بعض الوقت ليعيش بعد ذلك؟

وأحيانا أحس كأنني كالمعدة.. أهضم الزلط.. وبسرعة يتحول الزلط إلى عجين والعجين إلى سائل منعش.. وأبحث عن زلط آخر.. وكنت أرى ان الشباب هو المعدة القوية التي لا تقول: لا.. للناس وللطعام وللشراب..

وأحيانا أحس أن معدتي محترقة.. فهي لا تريد إلا المسلوق.. وترفض الساخن والبارد.. والسكر والشطة.. والملح والقهوة.. وعندما تصبح المعدة هكذا موجوعة مقروحة.. تصبح الحياة كلها كالمعدة ترفض الصداقة وترفض الحماسة وترفض البلادة.. لا تطيق النوم ولا تقدر على اليقظة..

وأحيانا أحس أنني قلبت جلدي.. قلبت رأسي.. قلبت بشرتي وأنني في داخلي.. جوه.. جوه.. جواي.. وأن الدنيا ابتعدت عني.. وانني مثل جنين أعادوه إلى بطن أمه.. له جسم جنين وله عقل رجل نادم، على ماذا؟ على أشياء كثيرة لا أول لها ولا آخر..

أشياء لا يكفي حصرها في تسعة أشهر الحمل وتسع سنوات الحضانة..

وأحيانا أحس أن دقات قلبي هي دقات ساعة في داخلي قنبلة زمنية وانه لن يمضي وقت طويل حتى أصبح شظايا.. شظايا.. بقاياي.. والله أرحم!