دافوس والزخرفة الكلامية

TT

في دافوس تقل الزخرفة الكلامية، لأن المؤتمرين هم أهل مهنة. فيه يلتقي الساسة والاقتصاديون والاعلاميون، ومع هذا كانت لكل متحدث لغته. رئيس الوزراء الباكستاني شوكت عزيز، الذي جمعنا على الفطور منذ السابعة والنصف صباحا، تحدث كعازف منفرد بلغة موسيقية عن باكستان السياسة والاقتصاد، عن الهنود والافغان والايرانيين، عن الحدود واللاجئين والمخدرات والارهاب والنووي. ابتدأها بالحديث عن الانجازات المحلية، التي سجلت بالفعل نموا كبيرا بمقاييس عالمية لأربع سنوات متتالية. اما السيدة التي التقيتها مرة ثانية في فطور لاحق في نفس الصباح على مائدة حوار لشخصية أخرى، فقد حرصت على جس نبض رأيي حول ما قاله عزيز. قلت لها انه متحدث عذب، ردت بسرعة.. آه لا تدعه يغرك فهو معسول الكلام، وكانوا يلقبونه بالمعسول عندما كان مديرا في سيتي كورب.

الحقيقة انه مدير بارع، حتى اذا جردنا حديثه من الموسيقى، وذلك بشهادة المؤسسات الدولية، خاصة في بلد صعب كباكستان. ولم يؤت به مسؤولا الا لهذا السبب، ويعترف بأنه كان يجلس في شقته في نيويورك عندما اتصل به الرئيس الجديد حينها برويز مشرف وطلبه للعمل معه في الحكومة. لم تكن عند عزيز خبرة في الادارة الحكومية، ولم يكن متخصصا في الشأن الباكستاني، ولم يعرف حينها حتى اسم الرئيس الجديد.

ونظرا لأن قوانين المنتدى تمنع نقل ما قيل في الجلسات، إلا أنني سأعلق في الموضوع الباكستاني على قضية اساسية، سبق له ان طرحها في مناسبات علنية، وهي قنبلة اللاجئين الافغان، الذين يقدر عددهم بثلاثة ملايين داخل الحدود الباكستانية. هم ضحية الحروب بين لوردات الافغان ايام طالبان، ثم الحروب تحت ادارة الامريكان. وبسبب نسيان العالم للاجئين في مخيماتهم، اضحوا فريسة سهلة للاستقطاب والاستغلال، تمليها ظروفهم الحياتية المتردية. وقد وجد فيهم المتطرفون والمهربون مستودعا بشريا لا ينضب لتجنيد بعضهم للارهاب، وبعضهم كدواب بشرية لتهريب المخدرات. ثلاثة ملايين رقم مهول في منطقة وعرة في ظروف قاسية تتنازعهم الاطراف المتقاتلة.

وما لم ينفذ مشروع اعادتهم الى بلدهم، وتوطينهم في مناطقهم، فلن يكون ممكنا محاصرة شبكات الارهاب والمخدرات. وهنا لا يصبح ملايين اللاجئين الافغان مشكلة لباكستان، بل الحقيقة مشكلة للعالم العربي أيضا، رغم البعد الجغرافي. فمنها وعبرها ينتقل المجندون للقاعدة وتهرب أكياس الافيون نحو الأسواق العربية، التي هي السوق التقليدي للمتطرفين، والسوق المجزية لباعة المخدرات.

اللاجئون مشكلة للعالم كله، لأن الإرهاب جرى تدويله، ومعظم المخدرات التي تستهلك في اوروبا اليوم ترد من المزارع الافغانية. واذا كان يراد لمحاربة الارهاب ان تنجح والمخدرات ان تعطل، لا بد من مساعدة باكستان حتى تنهض من ظروفها الاقتصادية السيئة والسياسية الصعبة، وهو أمر لصالح الجميع. فلا خيار إلا في دعم الخيار الباكستاني. وفي رأي كثيرين ان الرئيس مشرف، رغم عسكريته ومواجهاته مع المعارضة، بنى اسسا جيدة للتطوير الاقتصادي تستحق ان تعزز لا بالمال المجاني، بل بالتعاملات التجارية التفضيلية والاستثمارات الكبيرة.

[email protected]