مشكلتنا أننا لا نعرف متى نعمل ومتى نستريح؟!

TT

لن تصدقني لأنك لا تحب الحقيقة.. فأنت مريض وأنا أيضا.. ولا يوجد إنسان واحد سليم الجسم والعقل في أي مكان. وكل ما تريده الأمراض هو أن نعطيها فرصة. ولا شك أن الإرهاق والقلق أو الخوف والجوع هي جميعاً فرصة متاحة لكل الأمراض لكي تظهر في الوقت المناسب والمكان المناسب..

والذي لا يعمل أكثر تعرضاً للمرض من الذي يعمل. ومعظم الناس يعملون. ومعظم الناس مرضى، وقد يكون العمل اليدوي أسهل من العمل العقلي ـ هذا رأي الجالسين على المكاتب ـ ولكن الإرهاق واحد سواء جسمياً أو عقلياً..

والمصابون بالجنون من الذين يعملون بعقولهم أكثر من الذين يعملون بأيديهم..

ومشكلتنا ليست العمل. وإنما لأننا لا نعرف أن نفصل بين ساعات ومكان العمل وساعات ومكان الراحة. فنحن نحمل مكاتبنا ومقاعدنا والموظفين على رؤوسنا إلى البيت.. وعلى المخدة وتحت اللحاف. وبذلك يتحول البيت إلى مقبرة ندفن فيها المكتب وكل الموظفين. والمرأة العاملة تنقل إلى مكان العمل هموم البيت والأولاد والزوج.. فإذا عادت إلى البيت حملت معها هموم المكتب الذي تراكمت فيه هموم البيت أيضا!

فإذا قرر الإنسان أن يحيل نفسه إلى المعاش ليستريح يتعب أكثر مما يتصور.. لأن الإحالة الى المعاش مثل قطار منطلق يتوقف فجأة ويخرج على الشريط الحديدي وتنقلب القاطرة والركاب.. فالإحالة إلى المعاش عطل مفاجئ.. هبوط اضطراري لطائرة.. دش بارد على زجاج ملتهب.. لمسة من عزرائيل؟

فقبل الموت بساعة يصاب الإنسان بما يسمى «صحوة الموت» وهذه الصحوة معناها: صفاء الرؤية وجلاء السمع وشفافية كل الحواس لأول وآخر مرة. ولا نستطيع أن نستمتع بهذه الساعة النادرة.. تماماً كما لا يمكن أن يستمتع بمنظر القمر من يسقط بمظلة في قلب البحر؟ وقد استطاع بعض الرجال الشجعان أن يقولوا في الدقائق الأخيرة من هذه الساعة كلمات باقية.. ونصحونا بأشياء كثيرة.. ولكن من المؤكد أن عباراتهم كلها ذات معنى واحد: إذا كانت الحياة مرضاً. فالموت أعظم طبيب.

إذن ما هي الحكمة في أن نولد من أبوين مريضين. وأن نستأنف الحياة بأن نعيش مرضى؟

إن هذه الحكمة سوف نعرفها في ما وراء.. هذا العالم!