خروشجوف الساخر

TT

الزعماء الدكتاتوريون لا يضحكون. هذا هو الشائع. بيد أن نكيتا خروشجوف شذ عن القاعدة. له كلمات ساخرة ومواقف ظريفة كثيرة. وفي دنيا الفكاهة والسخرية أحلى ما يكون فيها وأبلغ وقعا يحصل عندما يسخر المرء من نفسه. من مواقفه الخالدة كان ما جرى له في مبنى الغلدهول بلندن. وقف امام الحاضرين من علياء القوم وأدار قفاه نحوهم، طبعا بالسروال. قال لهم انظروا، لا يوجد للشيوعيين ذيل! الإنجليز طبعا يعتبرون الفكاهة من ميزة الإنسان. اذا كان خروشجوف إنسانا حقا ولا ذيل له، فليأت بثلاث نكات سوفيتية. وهذا تحد وامتحان عسير، إلا ان الزعيم السوفيتي كان أهلا له. كما سنرى.

وقف فقال ان رجلا كسلانا دخل مبني الكرملن. وراح يعبث ويعربد ويهتف «خروشجوف غبي! خروشجوف حمار...!» آخ. ألقوا القبض عليه وأحالوه للمحاكم، فحكم عليه القاضي بالحبس لمدة ستة اشهر لقيامه بأعمال شغب وسوء سلوك، وبعشرين سنة حبسا لإفشائه سرا من أسرار الدولة.

ضج الانجليز الحاضرون بالضحك حتى راحوا على غير عادتهم يضربون الموائد أمامه بالملاعق والشوكات استحسانا وطربا. ثم مضى ليروي لهم النكتة الثانية.

قال، علقت ادارة الكرملن لوحة على الباب تقول: «ممنوع دخول الحيوانات». المعروف ان زوجة خروشجوف، وهي في الواقع امرأة قروية مثل زوجها، كانت تربي بعض الخنازير في حديقة بيتها. وكانت تعتز بصورة خاصة بخنّوص (صغير الخنزير) رضيع تحمله معها وتلاعبه اينما ذهبت. وعندما جاءت الى الكرملن رأت تلك اللوحة على الباب فاحتات عليها بأن ضمت الخنزير الصغير الى صدرها وغطته بشالها. سألها البواب، ماذا تحملين؟ قالت «ابني الصغير». كانت زوجة مكويان واقفة مع بقية الزائرين. فتقدمت ورفعت الشال قليلا ثم مسحت بيدها على بوز الخنزير الصغير وقالت: «ويشبه اباه تماما!».

مزيد من التصفيق والضرب على الموائد. ثم مضى الزعيم السوفيتي الى سرد الحكاية الثالثة. قال لقد اجرت احدى الصحف مسحا عن نوايا القادة فيما سيفعلونه لو أحيلوا الى التقاعد. فسألوا خروشجوف ماذا سيفعل؟ فأجابهم قائلا إنه سيحمل منظارا ويخرج خارج موسكو ويوجه المنظار نحو الأفق ليرى الشيوعية قبل غيرها عندما ستأتي الى الاتحاد السوفيتي. فقالوا له هذه هواية مملة. أجابهم قائلا، نعم هذا صحيح، ولكنها هواية ليس لها نهاية وسأبقي عليها طيلة حياتي.

كان بارعا في اختياره. فلو انه قال انه سينظر ويرصد الرأسمالية، لرآها قادمة في طريقها لبلاده.

كانت ثلاث نكات وكلها يرويها زعيم ثاني دولة في العالم يترأسها. اذا لم يستطع ان يوفر الخبز لشعبه فعلى الأقل زوده بالفكاهة. وهو ما لم يفلح به أكثر زعمائنا.