أمن العراق: بغداد هي المفتاح

TT

أوضح تقرير بيكر ـ هاميلتون أنه من الممكن للفشل في العراق أن تحدث تداعيات خطيرة على المصالح الأميركية القومية في منطقة حرجة، وكذلك على أمننا القومي هنا في الداخل. والى ذلك لم تتفق قلة مع ذلك التقدير بحكم خرجت به من محادثات عدة مع لأعضاء في الكونغرس وخبراء في شؤون السياسة الخارجية.

والى ذلك أيضا كان التقرير الاستراتيجي للرئيس بوش قد خلص لتحليل الخيارات المتاحة لوضع العراق في مسار النجاح فيما تمّ وضع الخيارات التي ناقشها الكونغرس في الاعتبار، ولكنها رفضت بعد حساب للمخاطر. وقد وضع التقرير قيد الاعتبار خيار سحب القوات الأميركية من بغداد والتركيز على القاعدة في العراق وتدريب قوات الأمن العراقية كما أوصى بذلك بعض نواب الكونغرس، فيما وافق معظم الناس بأن علينا التركيز على محاربة القاعدة، فكان أن دشنت استراتيجية الرئيس تلك الحرب وبصفة خاصة في محافظة الأنبار حيث تبحث القاعدة عن ملاذ آمن وكذلك وافقت الإدارة الأميركية بأن علينا أن نصعّد عملية تدريب قوات الأمن العراقية، وقد فعلت ذلك استرتيجية الرئيس مع مؤشرات لمراقبة التقدم ودعم حجم الفعالية لتلك القوات الأمنية العراقية. ومن هنا فتدريب ودعم القوات العراقية سيبقى مهمتنا العسكرية والضرورية بل والأساسية.

ولكن تقرير الرئيس استنتج أيضا أن على الاستراتتيجية، وإذا ما كان لها أن تمتلك أفضل فرصة للنجاح، أن تمتلك خطة لتأمين بغداد. ومن هنا ومن دون خطة مثل هذه، ستتمزق الحكومة العراقية ومؤسساتها الأمنية تحت ضغوط وانتشار العنف الطائفي والتطهير العرقي والقتل الجماعي، وهنا ستنتشر الفوضى عبر كل البلاد والمنطقة، وستستقوى حركة القاعدة بحرب السنة في بغداد والدائرة التصاعدية من القتل الطائفي. وهنا أيضا ستتشجع إيران ومن المتوقع أن تزود الجماعات المتطرفة بالعون القاتل فيما سيصبح الشمال الكردي معزولا ومستقطبا لاحتمال الانفصال والتدخل الإقليمي. ومع وضع كهذا يمكن للإرهابيين أن يحصلوا على جيوب آمنة عبر كل العراق يمكنهم منها أن يهددوا حلفاءنا في المنطقة ومعهم أمننا هنا في الداخل.

والخطة الجديدة لبغداد تصحح، على نحو محدد، المشكلات التي ابتليت بها الخطط السابقة. فهي، أولا، خطة استهلها العراقيون للسيطرة على عاصمتهم. وسيكون هناك، ثانيا، قوات كافية (عراقية وأميركية) لتخلي الجيران عن الإرهابيين والمتطرفين. وهناك، ثالثا، مفهوم عملياتي جديد لا يهدف فقط الى ملاحقة الإرهابيين والمتطرفين وإنما لضمان امن السكان. ومن ناحية رابعة فان قواعد جديدة للمشاركة ستضمن للقوات العراقية والأميركية ملاحقة منتهكي القانون بغض النظر عن الجماعة أو الطائفة التي ينتمون اليها. وخامسا ستكون العمليات الأمنية متبوعة بمساعدة اقتصادية وإعادة أعمار، بما في ذلك مليارات الدولارات في صناديق مالية عراقية، توفر فرص عمل وآفاق حياة أفضل.

والى ذلك أوضح الجنرال ديفيد بيتراوس، القائد الجديد لقواتنا في العراق، في جلسات استماع امام الكونغرس الأسبوع الماضي، ان تعزيز القوات الأميركية ضروري لإنجاح هذه الخطة. وكل خطة تعوق قدرتنا على تعزيز قواتنا في الميدان، هي خطة سيكون مصيرها الفشل، ويمكن ان تسلم بغداد الى الإرهابيين والمتطرفين، قبل ان تكون القوات العراقية الشرعية مستعدة لخوض القتال. وتلك حصيلة لا يمكن للرئيس قبولها ببساطة.

ويدعم تقرير بيكر ـ هاملتون هذا الاستنتاج. وقد جاء فيه: «غير أننا يمكن أن ندعم اعادة انتشار قصيرة الأجل أو زيادة في القوات القتالية الأميركية لتحقيق الاستقرار في بغداد ... اذا ما قرر القائد الأميركي في العراق بأن مثل هذه الخطوات ستكون فعالة». وقد قرر قادتنا العسكريون، والرئيس، ذلك الأمر على وجه التحديد.

ولكن، وفي المقابل، يجب ان لا يغطي تعزيز قواتنا على الطبيعة المتكاملة للتغييرات في استراتيجية الرئيس بوش، فعلى عكس ما اشار إليه البعض، لا يعتبر تعزيز وجودنا العسكري هو الاستراتيجية، بل هو وسيلة لهدف محدد، وجزء من حزمة من التحولات الاستراتيجية الأساسية، التي ستعيد صياغة مقاربتنا بشكل جوهري لتحقيق أهدافنا في العراق.

وانطلاقا من التجارب التي تحققت في أماكن أخرى من البلد، تضاعف الاستراتيجية الجديدة من عدد فرق إعادة الإعمار في العراق. وستستهدف هذه الوحدات المدنية مساعدات التنمية التي تحتاج إليها الحكومة لتوسيع وجودها في كافة زوايا العراق.

ولأن التعاون المدني ـ العسكري هو مفتاح النجاح، فسيتم زرع 10 مهندسين من «فرق إعادة الإعمار المؤقتة» ضمن الألوية المقاتلة الأميركية، فيما ستدمج الاستراتيجية الجديدة عناصر أساسية أخرى من تقرير بيكر ـ هاملتون، مثل مضاعفة عدد الوحدات المزروعة ضمن القوات العراقية، باستخدام معايير لمساعدتنا والعراقيين لقياس التقدم، وإطلاق الجهود الدبلوماسية لزيادة الدعم للحكومة العراقية، والتقدم في مجال تحقيق المصالحة السياسية.

وأخيرا، يجب أن تقدم الاستراتيجية خطة واقعية لتحقيق الأمن إلى سكان بغداد. وهذا هو الشرط المسبق للتقدم صوب تحقيق الأهداف. ومن هنا تقدم استراتيجية الرئيس بوش خطة كهذه بإعتبارها الاستراتيجية الوحيدة التي تحقق ذلك.

* مستشار الأمن القومي للرئيس بوش

خدمة «واشنطن بوست» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»