من نجاد إلى صدام وهتلر: مخاطر التنبؤ

TT

هل يمكننا أن نتنبأ بالمستقبل؟ أم أنه شيء لا يمكن التنبؤ به؟

في الأزمنة القديمة كان العالم يبدو قسريا إلى حد ما، ولا بد أن الكوارث مثل الفيضانات والأمراض كانت تحدث بدون تحذير أو سبب جلي. وكان الناس البدائيون ينسبون مثل هذه الظواهر الطبيعية إلى الآلهة بمفهوم يقول إنها تتصرف بطرق متقلبة الأطوار. ولم يكن هناك سبيل للتكهن بما يمكن أن يفعلوه، وكان الأمل الوحيد الفوز برضاهم عبر الهبات والطقوس.

ولدى العالم الفرنسي لابلاس نظرية شهيرة جدا حول التنبؤ، وقد قال: إذا ما عرفنا في فترة معينة مواقع وسرعة كل الجزيئات في الكون، يمكننا من ثم أن نقدر سلوكها في أي وقت آخر في الماضي أو المستقبل.

ومن الواضح أن هذه النظرية قد جرى تقويضها عبر مبدأ الشك لدى هيزنبيرغ. ولهذا فإنه في الفيزياء من الصعب أن نتنبأ، ولكن في السياسة نشهد كل يوم الكثير من التنبؤات.

وفي أيامنا الحالية يعتقد كل أمر ويتنبأ بحرب بين الولايات المتحدة وإيران. فهل يمكننا التنبؤ بالحرب؟

في إيران هناك موقفان رئيسيان. فالرئيس أحمدي نجاد وإدارته يعتقدون انه ليست هناك حرب، وان الأمر ليس سوى حرب سايكولوجية عندما اقترح يوم 21 من الشهر الحالي الميزانية على البرلمان، وقال إن الحرب ليست سوى كلمة. وقلل سكرتير مجلس الأمن القومي علي لاريجاني من الحرب السايكولوجية التي تهدف إلى ردع إيران عن موقفها المبدئي في الحصول على الطاقة النووية السلمية. وقال لاريجاني في قم بعد لقائه كبار رجال الدين: «ليس هناك مثل هذه الطاقة. إن أية خطة لغزو إيران وتسهيلاتها النووية، هي مجرد إشاعات وحرب سايكولوجية». وأكد أن القوات المسلحة الإيرانية مستعدة لمواجهة أي تهديد محتمل من الخصوم.

ومن ناحية أخرى قال محسن رضائي سكرتير مجلس تشخيص مصلحة النظام والقائد السابق للحرس الثوري الإسلامي يوم 18 يناير الحالي، إن «الولايات المتحدة بدأت مجابهة جدية مع إيران قبل ستة اشهر، وهي المجابهة التي يمكن أن تظهر دلائلها على السطح خلال الشهرين المقبلين».

اعتقد أن لهذين التوجهين أسبابهما ومببراتهما. ففي حالة المجموعة الأولى، يفكر أفرادها مثل القائد العسكري للحرس الثوري قبل أكثر من عشرين عاما، كان يعتقد أنهم سيقاتلون أميركا، إلا أن الواقع أحدث تغييرا في طريقة تفكيره وجعله يرسل خطابا إلى الخميني عام 1988، وهو الخطاب الذي نشره رفسنجاني في الآونة الأخيرة. وبناء على الخطاب المذكور قبل الخميني وقف إطلاق النار بين العراق وإيران.

يفكر احمدي نجاد بطريقة الشخص الثوري البسيط، الذي يعتقد انه يجب أن يفعل ما بوسعه من دون أي اهتمام بتحقيق الهدف، على اعتبار انه يجب أداء الواجبات أولا، أما الهدف فيعتبر أمرا آخر.

هذه الفكرة يمكن أن تتسبب في الكثير من المشاكل والكوارث. لأن الطريقة سهلة ليست هناك حاجة إلى أي برنامج، إذ يمكن أن تتوصل إلى حل للمشاكل كمشروع وليس كعملية. الركيزة الأساسية لهذه الفكرة مؤسسة على الشعارات النارية المثيرة. قال سكرتير الأمن الوطني الأعلى علي لاريجاني: «إنهم لا يملكون أي قوة أو خطة لغزو إيران وضرب منشآتها النووية...»، لكنه لم يقل انه بوسع الولايات المتحدة تدمير كل شيء. ليس من الضرورة غزو إيران. يبدو أنهم بسطوا المشكلة بغرض حلها.

الكثير من المفكرين والكتاب المهتمين بالوضع المعقد في منطقة الشرق الأوسط، وقعوا في 14 يناير عريضة طالبوا فيها بعدم شن حرب على إيران، ووقع عليها 20000 شخص من بينهم رامزي كلارك، المدعي العام الاميركي السابق، وهارولد بينتر والأسقف توماس غامبيلتون ودينيس هاليداي.

«ندرك من تقارير العام الماضي أن الإدارة الوسطى التابعة للبنتاغون ومخططي القيادة الاستراتيجية، حددوا أهدافا مسبقا، وأجروا تقييما للأسلحة وعملوا في الجوانب اللوجستية، بغرض شن هجمات من المحتمل أن تقتل آلاف الإيرانيين. ومن هنا يجب أن نتحرك الآن ضد خطر الحرب الجديدة».

هذا الالتماس وذلك الشعار رمزان لموقفين، أحدهما قائم على واقع وأسباب معقولة، والثاني على أحلام.

للأسف تتم التضحية بدول منطقة الشرق الأوسط بسبب هذه الأحلام كل يوم، مثل حلم صدام أو حلم احمدي نجاد. إنهم يريدون أن ينظروا إلى الواقع من خلال مناظيرهم الخاصة، وهي أوجه مشوهة للواقع.

هل كان ذلك هو سبب الحرب العالمية الثانية؟ انه كان حلم هتلر. إنهم كانوا يعتقدون أن بوسعهم التنبؤ بالمستقبل، إلا أن مبدأ عدم التأكد هو الواقع في السياسة، كما هو الحال في الفيزياء.