اقتصادات تتغير

TT

في هذه الأيام، وكعادتهم كل عام، يجتمع العديد من قادة الفكر والسياسة والاقتصاد والأعمال في القرية الصغيرة، التي تحولت لمنتجع سويسري، يلتقي فيه الانداد، وأعني هنا «دافوس» والمنتدى الاقتصادي العالمي. وهذه السنة طرحت العديد من المواضيع المهمة واللافتة، ولكن العنوان الأبرز الذي قدمه المنتدى هذا العام كان عن الدور المتنامي والمؤثر لاقتصادات الدول الناشئة على الساحة الدولية، وكيف أن هذه الدول باتت تشكل أكثر من خمسين بالمائة من إجمالي الناتج الاقتصادي العالمي مقابل الدول الصناعية الرئيسية. وطبعا تبرز الصين والهند بشكل أساسي مع النمور الآسيوية التقليدية ككوريا الجنوبية وماليزيا وتايوان وتايلند واندونيسيا وسنغافورة، ومعها جنوب أفريقيا وروسيا والبرازيل، مع ترشيح دول أخرى كباكستان وغانا والفلبين، بل وحتى دولة كفيتنام التي بالكاد انتهت من التقاط أنفاسها من حربها الأهلية وتجربتها البائسة مع الشيوعية التي لا تزال مستمرة. إنها خارطة جديدة للعالم ومعايير مستحدثة لمعرفة الممكن وغير الممكن في الاقتصادات الحديثة. وليس مفاجئا خلو القائمة من الدول العربية أو دول المنطقة. إنها نفس الاسباب التقليدية المعروفة التي تم الحديث عنها مرارا وتكرارا. ولكن من الواضح جدا أن قضية التعليم وتطويره لا تزال العائق الأهم والمسألة الأخطر في تحدي التنمية، طبعا مع عدم إغفال موضوع العدل والقضاء واستقلاله وفعالية وتحسين قدرات أدائه، ورفع كفاءة العاملين فيه بشكل واضح وملموس. وهناك ملف شائك ومعقد يغفل الحديث عنه ويتم تلقفه بين الكثيرين كأنه كرة من النار الملتهبة، والموضوع المقصود هناك هو الفساد المالي والاداري الذي بات بمثابة سرطان ينخر ويتوسع وينتشر في الجسد الاداري للدول ويفتك في أجهزتها وقدراتها و«يحجم» وبقوة كل طموحاتها التنموية المعلنة.

لعل ما يقدم اليوم من قبل المنتدى الاقتصادي العالمي كنماذج وقصص نجاح لدول مختلفة تعرضت لحروب وانظمة متسلطة وتفكك في كياناتها، ومع ذلك تمكنت من ترتيب أولوياتها والتركيز على العنصر الأساسي والعامل الأهم وهو تنمية الانسان. هناك فجوة مخيفة موجودة اليوم بين دول منطقة العالم العربي تحديدا وأعداد متزايدة من دول العالم. المشكلة الكبرى تكمن في أن المطلوب عمله معروف، ويبقى الاعتراف والإقدام على العلاج بجدية والتخلي عن حالة الكبر والانكار عن مواجهة المطلوب والقيام به. هناك العديد من المؤسسات، وهناك العديد من المرجعيات، وهناك العديد من القوائم التي تعكس بصورة دورية عن تقييم للاقتصاد أو التنافسية أو الألفية أو للجامعات أو فاعلية القضاء والمنظومة العدلية، ومهما حصل من اختلاف على اسلوب التقييم وطريقته، هناك تقييم واحد لا يمكن اغفاله ولا يمكن تكذيبه وهو طموح المواطن نفسه وحالة الرضا والقناعة التي لديه من التعليم والقضاء ومعالجة الفساد، ولن يكون مفاجئا أن يكون هذا التقييم أشد قسوة وحدة. الخارطة الاقتصادية للعالم تتغير كما لم تتغير من قبل، وهناك فرصة حقيقية لأن يكون لدول المنطقة تأثير حقيقي عليها، ولكن يبقى السؤال هل هناك رغبة جادة وحقيقية وقابلة للقياس في التغيير والاصلاح ؟

[email protected]