ديزلت غلين

TT

معظم شعوب الأرض تبتلع حرفا ما، أو أكثر من ألفبائية شعب آخر. وقد سميت العربية لغة الضاد، لأنه حرف يصعب على جميع شعوب العالم أن تلفظه. لذلك عندما يتحدث اليوناني والإيراني والهندي العربية يخاطبك بالقول: «حظرتكم» أو «هظرتكم». وربما لو تكلم «هظرتنا» اليونانية أو الفارسية لألحق بالأحرف الأعجمية ما يصيب حروفنا.

وقد ذكرت مرة أن المشكلة الأولى مع أصحابنا أهل الفيلبين أنهم عاجزون عن لفظ حرف الفاء الذي يبدأ به اسم بلادهم، فيستبدلونه بالباء المخففة أو اللاتينية. في حين أن إخواننا في مصر وفلسطين يقلبون كل باء لاتينية باء عربية مضرية. وقد كثر في الآونة الأخيرة، تعاملي مع السيدات والسادة البيلبيين. فهم القيمون تقريبا على جميع المكتبات في دبي. ومن لم يكن بيلبينياً من مانيلا، كان طال عمرك هندياً من بنغالور. فأين المشكلة؟ المعضلة بالأحرى، أن الكتب التي تطلبها موضوعة للأسف بالانكليزية. ذهبت قبل أيام أسأل عن كتاب «ديزرت كوين» وهو سيرة «غيرترود بل». وقلت للآنسة من مانيلا: أريد كتابا عنوانه «ديزرت كوين». وتبسمت، ومضت الى الكومبيوتر تستوضحه، ثم ألقت ابتسامتها من جديد، قائلة: «آسفة ليس عندنا كتاب «ديزلت غلين».

وعدت أهجئ في صوت عال «ديزرت كوين». تبسمت ثم ابتهجت: «آه، ديزالت غرين».

غيرت مجرى المحاولة. قلت لها، وهي لا تزال تبتسم: «انسي ديزالت غلين غرين. هل هناك أي كتاب عن غيرترود بل؟». تبسمت «سير، هل قلت ترود بير؟». قلت لها، أرسلي رئيسك. وجاء رئيسها. وكان من بنغالور. وتبسم، وقال لي «ما هي المشكلة؟». قلت: ليس هناك من مشكلة على الإطلاق. هناك فقط كتاب عنوانه «ديزرت كوين»، هل هو موجود عند هظرتكم أم لا، وفكر طويلا. وبدت على وجهه جميع علامات التفكير، ثم تبسم، ثم قال: «ديزرت دريم؟». ثم انصرفت.

كانت متعة شراء الكتب في الماضي في المحادثة مع البائع. فقد قرأها جميعا قبل أن يرتبها على الرفوف. وأحب ورقها. وأحب أصحابها وأصبح له رأي فيها ومواقف منها ومشاعر حيالها. وصار يبيعك الكتاب كأنه يقدم لك هدية، ويعرضه عليك كمن يعرض عليك نصيحة أو مشروعا أو مرتبة. وعندما ذهبت أخيرا الى سوق الأزبكية للكتب العتيقة لم أجد معظم ما طلبت، لكنني وجدت بائعين يعيشون مع الكتب ويتوسدونها في الليل. والآنسة من مانيلا تبتسم: «ديزلت غلين، سير».