فين أودّي وجهي؟!

TT

كل إنسان يواجه في بعض الأحيان مواقف محرجة لم يتوقعها، بل ولم تخطر على باله إطلاقاً، ولا أستبعد أبداً أن كل واحد منكم قد حصل له يوماً ذلك، لكن أغلبكم لا يحكيه، لكن أنا لا يهمني فوجهي (مغسول بمرق).

كما أنه قد يقدم لك شخص ما خدمة تطوعية، بطيبة خاطر، ونيّة حسنة، فتنقلب تلك الخدمة إلى (نقمة)، فتقول بينك وبين نفسك: (يا ليتنا من حجنا سالمين).

وهذا هو بالضبط ما حصل لي يوماً، وكنت ذاهباً في رحلة سياحية إلى بلدة استوائية، كان الشهر من أشهر الصيف، ومن سوء حظي أن القنصل السعودي في تلك البلدة صديقي، ومن (سوء السوء) كذلك، أنه دعاني للغداء في منزله الذي شرح لي موقعه على الخارطة. وبما أنني رجل أتوسم الذكاء بنفسي إلى أبعد الحدود، بل إلى أبعد الغرور، فقد فردت الخارطة على الطاولة وأنا في بهو الأوتيل، وعرفت أن منزل صديقي القنصل لا يبعد كثيراً عن الأوتيل.. فقلت بيني وبين نفسي: تحرك يا ولد (ودقها كعابي)، وتفسّح وتمشى وتفرج وتريّض على مهلك إلى أن تحين الساعة الثانية التي هي الموعد المتفق عليه.

وفعلاً خرجت في الساعة الواحدة، وكنت بالفعل خفيفاً لطيفاً ظريفاً، ببنطلوني الأبيض، وقميصي الأبيض، (وكسكتّتي) البيضاء، (وصندلي) الأسود، ولا أدري إلى الآن لماذا لم يكن كذلك هو أبيض؟!

المهم، لا أكذب عليكم أنني خرجت أتصرمح وأتهكع من فرط الحبور والانشراح، وأملأ صدري وأقبضه بين الحين والآخر، بشهيق وزفير يخلب الألباب، كيف لا، والمناظر كلها من حولي تدعوني إلى المتعة، الهواء عليل، والسماء صافية، والشمس ساطعة، والعصافير مغرّدة، وبنات حواء يحففن بي يمنة ويسرة، ومن ورائي وأمامي، ولولا سرعة بديهتي وأدبي وحذري لاصطدمت أو دهكت إحداهن، غير أن ربي ولله الحمد (قدّر ولطف).

وفجأة ودون أي توقع، وإذا السماء تتلبد بالغيوم، ثم ترعد وتبرق وينهمر المطر كأنه شلالات، فغرقت فعلاً من كسكتّتي إلى صندلي، وأخذت أركض على غير هدى، وشاهدت منزل القنصل غير بعيد عني، فاضطررت إلى قرع بابه، ففتح لي الخادم الباب، ورحب بي حيث أن سيده أخبره عني، لكنه عندما شاهد ثيابي الملطخة بالماء والطين، اقترح عليّ أن أخلعها وهو سوف يغسلها ويكويها خلال ربع ساعة على الأكثر، وطمأنني أنه ليس هناك أحد في المنزل، فقلت له: جزاك الله ألف خير، وفعلاً خلعت بنطلوني وقميصي، وانتظرت في الصالون بالفنيلة والسروال، وما هي إلاّ دقائق، وإذا بالباب يُفتح عليّ، وإذا بي وجهاً لوجه أمام خمس سيدات، تعالت صرخاتهن من هول ما شاهدن، في الوقت الذي بادلتهن أنا بدوري بصرخات مفجوعة أعلى من صرخاتهن.

لا بد أن أنهي هذه المقالة، وأقول لكم باختصار، إن زوجة القنصل لا تعرفني، ولا تدري أن زوجها قد دعاني للغداء، وحضرت مع صديقاتها، وكان لها كامل الحق أن تصرخ وترتعب وتغضب، خصوصاً وهي تشاهد رجلاً غريباً في صالون منزلها، وفوق ذلك هو (بالملابس الداخلية) فقط.

فين أودّي وجهي فين؟!.

[email protected]