إضحك ما استطعت حتى في مواجهة الموت!

TT

نوع من الهرب يريح الأعصاب ويجعلنا قادرين على الاستمرار بعد ذلك..

ففي أيام الامتحان يجد الانسان متعة في النوم وفي الذهاب الى السينما والمشي في الحدائق وفي الشوارع.. مع انه في حاجة الى كل دقيقة.. وسبب ذلك: التعب فهو الذي يجعلنا نهرب من مواجهة هذه المواقف المؤلمة: والنوم هو جنة الهاربين!

ونحن نستغرب كيف أن بعض الناس يحلو لهم اللعب والمرح في المقابر.. مع ان المرح لا يليق بجلال الموت. ولكن الموت ليس له جلال عند الذين يسكنون في المقابر، ولا عند الذين اعتادوا على سماعه وعلى توقعه.. ولذلك يواجه الناس هذا الموقف المفزع بالانشغال عنه بأي شيء آخر.. هذا الانشغال هو الذي ينقذنا من الهم والغم.. فما دام الموت لكل الناس فلماذا نخاف منه. أو لماذا نحزن على الذين راحوا.. ما دمنا سنروح أيضا!

وأيام صلب المسيح جلس الرومان يشربون ويلعبون دون أن تهزهم صور المصلوبين حولهم. دون أن يهزهم الموت.. أو دون أن توجعهم صرخات المصلوبين.. فهؤلاء الجنود أيضا عليهم ان يواصلوا حياتهم.. ولا داعي لأن يختصروا من حياتهم ويضيفوا الى حياة الآخرين!

ورواد الفضاء في رحلاتهم الشاقة الانتحارية يداعبون رجال المراقبة، ويداعبون أنفسهم.. وهذا ضروري لكي يخف توترهم العصبي ولكي يشعروا أنهم ليسوا وحدهم في الفضاء. وكثيرا ما طلبوا الى رواد الفضاء ان يقوموا بألعاب وحيل لكي يتفرج عليها أطفال العالم.. والهدف طبعا هو أن يواجهوا الموت بالضحك أي الحرص على الحياة والأحياء!!

ومن عادات الانجليز في لندن اذا ما أصبح الضباب كثيفا لا يرى الناس فيه بعضهم بعضا أن تطلب إدارة المرور الى كل الناس أن يغنوا.. أو يمسكوا في أيديهم راديوهات صغيرة.. المهم ان يصدر عنهم أي صوت حتى لا يصطدم بهم أحد من الناس، أو من السيارات!

ففي مواجهة الخطر والألم والتعب يجب أن يفعل الانسان شيئا مرحا أو مضحكا حتى لا يسقط من التعب أو الخوف.. وفي مواجهة الموت يزداد حرص الناس على التمسك بالحياة، بحياتهم هم. فالموت ليس مرضا معديا، وإن كان يجيء بلا مرض وبلا موعد وبلا تفرقة في السن والدين واللون والطبقة.. وكلما اقترب الانسان من المرض، كان أحرص على الصحة. وكلما اقترب الى الموت كان أكثر تمسكا بالحياة.. انها لحكمة بليغة: أن تستمر الحياة ضاحكة في قلب الحزن، وان تعيش متدفقة بين الموتى!