اجتهاد جديد؟

TT

كنت أتابع بحزن وأسى التعدي الإسرائيلي السافر على محيط المسجد الأقصى وإزالة علامات جديدة من بصمات ودلائل الوجود الإسلامي في مدينة القدس. بكل جبروت وغطرسة تواصل إسرائيل عملها الدؤوب لأجل تغيير هوية المدينة بالكامل. حاولت الاتصال بأحد أباطرة التشدد في مسألة إزالة الآثار الإسلامية والذي له آراء عديدة في هذا المجال، والتي لا تجد بأسا في إزالة الآثار لأن الحفاط عليها والاعتناء بها قد يؤدي إلى الشرك وعبادتها، كنت أرغب في أخذ رأيه في مسألة إزالة باب المغاربة الذي حدث في القدس، والعبث الشديد بحائط البراق (الملقب بحائط المبكى بالنسبة لليهود) ولكني لم أتمكن. أمر عجيب هذا «الصمت» على هذه المسألة. جاءت هذه الأحداث الأخيرة مع فتوى من مفتي مصر يصرح فيها أنه لا مانع شرعيا من تبوؤ امرأة منصب رئاسة الدولة. ابتسمت وأنا أقرأ ذلك وتذكرت دولة بنغلاديش. بنغلاديش دولة مسلمة، أهلها من أبناء السنة والجماعة وعلى نهج السلف الصالح، وبهدوء شديد وبلا ضوضاء ارتضوا ومنذ سنوات بعيدة أن تترأس سيدة مجلس الوزراء (وهو أعلى منصب تنفيذي في البلاد) وجاء ذلك عن طريق الانتخابات العامة، بل إن سيدة أخرى احتلت منصب المعارضة بحزبها المنافس. وخلال هذه الفترة وتحديدا في السنوات الأخيرة حققت بنغلاديش نموا اقتصاديا هائلا رشحها أن تكون أحد النمور الاقتصادية المستقبلية في آسيا، حيث بلغ معدل النمو7% سنويا وهذا رقم ممتاز جدا بكل المقاييس.

وبنغلاديش حدث لها الاستقرار والنمو بلا تطرف ولا تشرذم. لديهم علماء ورجال دين ومدارس فقه هم أيضا! وطبعا سبق بنغلاديش في موضوع تبوؤ المرأة المنصب السياسي الأعلى بالدولة كل من باكستان وإندونيسيا وتركيا، وجميع علماء هذه الدول أجازوا ذلك وتم تطبيق ذلك فعليا.

وسط هذه الفتاوى الغريبة في بعض دول العالم العربي والآراء العجيبة التي تصدر بين الحين والآخر في مختلف المسائل الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية، تأتي بين الفترة والأخرى بعض الآراء المهمة لعلماء أجلاء تعيد بعث الأمل من جديد. فها هي فتوى قوية تصدر في الجزائر تمنع الهجرة غير الشرعية لأوروبا لما فيها من رمي النفس إلى التهلكة وتعريضها للموت بسبب الظروف المستحيلة التي تصاحب تلك المغامرة وحجم المخاطر على الروح. والشيخ عبد الله بن منيع يفتي بوضوح وقوة أنه لا فرق بين التأمين التعاوني والتأمين التجاري التقليدي، وكيف وضح أن التأمين علم جديد لم يمض عليه أكثر من 150 عاما، وبالتالي لا توجد آراء قديمة فيه، وللشيخ ابن منيع آراء مهمة جدا في مسألة رؤية الهلال والاعتماد على الحساب والفلك في ذلك، ويذكر الكثيرون خطابه مع عالم دين سعودي آخر في هذا السياق. وهناك رأيان مهمان للفقيه السعودي عبد الله فدعق في عدم قتل المرتد والاستنساخ والتبرع بالأعضاء، وهي فتاوى تحرك مياها راكدة وتقدم حلولا تقدمية لمسائل مهمة جدا في طرح استباقي يحسب له، وكذلك فتاوى مهمة كانت قد قدمت من الشيخ عبد المحسن العبيكان بخصوص الرمي في أوقات مختلفة ساهمت في فتح الحوار في هذه الجزئية المهمة من مناسك الحج.

لم يعد خافيا أن باب الاجتهاد بات من المطلوب فتحه من جديد، وتشجيع الناس على تقديم حلول عملية للكثير من المعضلات العصرية، عملا بمبدأ فقه المصلحة، وتطبيقا لمقاصد الشريعة حتى نصل إلى فقه المقاصد، لأنه حتما كما كان يوجد سلف صالح، هناك خلف صالح، فـ«الخير في أمتي حتى قيام الساعة».