حرب الإعلاميين

TT

عندما اتهمت الزميلة هالة سرحان باختلاق قصة البنات الثلاث في برنامجها التلفزيوني سمعت تفاسير مختلفة. أحدها انها حقيقية لكن هناك من لا يريد للحقيقة ان تقال. والثاني انها مسرحية مزورة دافعها البحث عن النجاح فضحتها هذه المرة الممثلات المزورات. والتفسير الثالث هو انها معركة إعلاميين بين بعضهم، سواء كانت القصة مزورة او التهمة مفبركة.

اعتقد ان المتابعين يعرفون ان الزميلة هالة من أكثر الاعلاميين شجاعة وتحفزا، هزت سوق الصحافة متحدية الكثير من الممنوعات، وهو أمر ليس هينا على اي صحفية ان تفعله في مجتمع عربي متقوقع على نفسه. وبغض النظر عن الحقيقة، لأنها ملك من هم على خط النار اكثر مما تخص المعلقين عن بعد، الأهم كيف يمكن حماية الصحفي وكذلك حماية المستهلك القارئ والمشاهد، صاحب الحق الأوحد في البضاعة الاعلامية؟

لا يفهم كثيرون لماذا يرتكب الصحافيون حماقات، متعمدة أحيانا. لماذا يلجأون الى المبالغة واحيانا التزوير. القصة بسيطة: المنافسة. لقد رأيت العديد من المحاولات، واحيانا من روائع صحفية وصلت الى ايدي القراء، وكانت مختلقة. وفي كل المرات التي صادفتها كان السبب هو الضغط الذي يواجهه الصحفيون والذي يدفعهم للتساهل، والتسامح مع ما يردهم، فيفضلون نشره على استقصاء حقائقه. ولعل اصعب المهام ان ترفض خبرا او قصة صحفية مثيرة وتركها لضمير كاتبها لا ضمير المهنة نفسها.

لا اقول ذلك مبررا للخطايا المهنية انما تفسيرا لظاهرة ستزداد بسبب ارتفاع حدة المنافسة وحساب كل ما هو إعلامي بأرقام القراءة والمشاهدة والمبيعات والاعلان. والسوق العربية تنمو في اتجاهات مختلفة عموديا وافقيا في آن واحد، ما يجعل الأمر اكثر صعوبة على الجميع، على الصحفي المبتدئ والاستاذ المدير. وليس اسوأ من الضغوط الوظيفية والمادية إلا الضغط الاجتماعي الآتي من الجمهور الذين يتوقعون الأكثر والأكثر. وأهل الصحافة مثل اهل الرياضة في حال عدو لا ينقطع الا الى خارج الميدان. لعبة مرهقة ومؤلمة.

ولا أعطي عذرا لمن يخطئ متعمدا لأن ساحة العمل الاعلامي رغم ازدحامها بالوسائل والراكضين إلا انها متجددة ومليئة باخبار الناس وقضاياهم التي لا تتوقف ابدا، ويمكن ان تسهم تغطيتها في التغيير الايجابي الذي يعتقد كل اعلامي انه مسؤول عنه. والعلة عادة في الذين يريدون اختصار الجهد بالتحايل على اصول المهنة، في حين انهم يقفون امام قصص حقيقية اكثر اثارة واكثر قدرة على البيع واكثر اهمية للمجتمع، وكل ما تريده جهدٌ اضافيٌ للوصول اليها. هذا السبب الذي يجعلنا نأسف احيانا على الجهدد المهدور على الاعمال غير الصادقة في وقت تقف الكثير من القضايا في الانتظار تبحث عن صحفيين جادين ذات بعد أكبر ووقع أكثر.

[email protected]