إنه عام الحرب على إيران

TT

اتهام مسؤولين اميركيين إيران بأنها تصدر أسلحة من صنع إيراني إلى المجموعات المتطرفة في العراق، أمر مثير للسخرية، وكأنهم «اكتشفوا البارود»، كما يقال عن واقع معروف ومتداول، ثم يأتي من يُعلن عنه. وأشار المسؤولون الاميركيون إلى أن 170 اميركياً قتلوا من جراء هذه الأسلحة، فهل كانوا يتوقعون ألا يُقتل بهذه الأسلحة أو غيرها إلا العراقيون؟ ثم من سلّح ويسلّح مقاتلي «حزب الدعوة» و«تنظيم بدر» الجناح العسكري للمجلس الأعلى للثورة الإسلامية و«جيش المهدي»؟

الاكتشاف ان الأسلحة من صنع إيراني، وان القذائف من عيار 81 ملم و60 ملم التي تطلق النحاس المصهور على الدبابات الاميركية لا تصنع إلا في إيران، ليس بالاكتشاف الجديد، إذ أن كبار العسكريين الإيرانيين، من قائد الحرس الثوري إلى وزير الدفاع إلى آخرين، يُطلون كل ليلة على المشاهدين الإيرانيين، ويعددون آخر ما أنجزته صناعة السلاح الإيرانية، بدءاً من الرصاص، مروراً بالطائرات العسكرية ووصولاً الى الصواريخ.

كما اتهم المسؤولون الاميركيون الذين عرضوا صوراً عما لديهم من «صنع في إيران»، إضافة إلى بعض القطع، أعلى المراجع بتأمين وصول هذه الأسلحة إلى العراق، والتي يقوم بتهريبها «جيش المهدي» (التابع لمقتدى الصدر)، كما قالوا.

من الملاحظ أن ردود فعل اميركية كثيرة انطلقت منذ أن أعلن الرئيس جورج دبليو بوش عن خطته الجديدة لتوفير الأمن لبغداد، وانطلقت معها بالطبع ردود فعل مجموعات عراقية مسلحة، فصارت لا تكتفي بتفجير سيارة، بل مجموعة سيارات أو شاحنة بطن واحد من المتفجرات، ليسقط اكبر عدد من الضحايا العراقيين، ولا يتوانى رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي عن تحضير العراقيين لخطته الأمنية، التي تعتمد على الميليشيات، ولم يحصل أن أشار مرة إلى انه يفكر بتوفير الكهرباء أو الماء أو الغذاء لهؤلاء العراقيين الذين أفقرتهم حرب لم يسعوا إليها، وشردتهم وأذلتهم.

من بين ردود الفعل الغريبة مقال كتبه توماس فريدمان قبل أسبوعين في صحيفة «نيويورك تايمز» وفيه يطالب الرئيس بوش بتوجيه تهديد إلى العراقيين، فحواه أنهم إذا لم يصلحوا أوضاع أمنهم، فعليه أن يقرر سحب القوات الاميركية. لا اعتقد أن هناك عراقياً واحداً سيرفض هذا الانسحاب، إنما كان على كاتب المقال أن يطلب من رئيسه أن يعيد العراق كما كان عندما دخلته تلك القوات، ليست المطالبة هنا بإعادة صدام حسين، إنما العراق غير المهدمة مدنه، وغير المدمرة منشآته التحتية برغم الحالة التي كانت عليها، وغير المشرد الملايين من أبنائه الذين صاروا لاجئين تضيق بهم الدول التي استضافتهم، إضافة إلى مآسي أخرى لا بد انها ستقّض مضاجع المسؤولين عن نكبة العراق.

اتهام الرئيس بوش لإيران بأنها تغذي الحرب الأهلية في العراق، وتوفر أسلحة للهجوم على القوات الاميركية، اتهام مثير للاستغراب، لأن ما قامت به الميليشيات الشيعية عندما بدأت عملية التطهير العرقي في بغداد، وإخراج السنّة منها عام 2004، أدى إلى الحرب القائمة الآن، وهي فعلت ذلك بدعم من إيران ومن المحافظين الجدد الذين خططوا لهذه الحرب منطلقين من فكرة تقول إن الإطاحة بنظام صدام حسين لن تزعزع استقرار المنطقة، لأن الشيعة العراقيين سيكونون حلفاء للولايات المتحدة وإسرائيل ضد إيران. وجاءت فكرة الإفادة من الشيعة العراقيين كوسيلة لدعم المصالح الاميركية في الشرق الأوسط من فكرة أوسع عن المنطقة عمل على وضعها المحافظون الجدد منذ عام 1996، عندما قامت «مؤسسة الدراسات الاستراتيجية والسياسية المتقدمة» وكان يرأسها ريتشارد بيرل، بتسويق فكرة «دحر أعداء إسرائيل»، وتقوم استراتيجيتها بالسيطرة على العراق وإقامة نظام فيه موالٍ لإسرائيل.

ويقول لي مؤرخ اميركي، تابع تحركات هذه المجموعة، انه بعد ثلاث سنوات تولى إدارة هذه المؤسسة دايفيد وورمسر ـ مستشار الأمن القومي حالياً في مكتب نائب الرئيس ديك تشيني، وقد نقلت عنه صحيفة «الواشنطن بوست» يوم الأحد الماضي قوله لأحد الدبلوماسيين الغربيين في واشنطن: «ان هذا عام الحرب على إيران» وان هجوماً اميركياً عليها صار احتمالاً ممكناً. انكب وورمسر على تفكيك الطرح القائل إن الإطاحة بنظام صدام حسين ستدمر التوازن القائم بين العراق السنّي وإيران الشيعية، الذي يعتمد عليه استقرار المنطقة.

هو لم يستبعد ان تؤدي الإطاحة بالنظام العراقي الى إشعال حرائق في العراق، فهذه ستوفر «للشيعة المضطهدين فيه الفرصة لفرض سيطرتهم وحكمهم». وعندما تم تحذيره من ان شيعة العراق قد يتحولون الى «طابور خامس إيراني» رد بأنهم سيواجهون النفوذ الإيراني، ويحاربون ولاية الفقيه، لا بل رأى بأنهم سيؤثرون على الشيعة في لبنان، ويبعدونهم عن حزب الله وإيران. ويقول محدثي المؤرخ الاميركي، ان الخطة الاميركية لغزو العراق تعكس فرضيات وورمسر بأن الولايات المتحدة لن تحتاج الى احتلال عسكري طويل الامد، لأن الإطاحة بصدام حسين ستطلق العنان لقوة الشيعة في العراق. لم يحسب هو ومجموعته أن السّنة العراقيين سيلجأون الى المقاومة ولن يستسلموا، كما انهم لم يتخيلوا أن يطلب رجال الدين الشيعة اجراء انتخابات نيابية ويرموا بكل ثقلهم وراء الاحزاب الشيعية التي عادت من إيران اثر الإطاحة بصدام حسين. لم يكن حزب الدعوة والمجلس الاعلى للثورة الاسلامية بالصورة التي اعتقدها المحافظون الجدد عندما فكروا بتسليم العراق للشيعة، فالأجنحة العسكرية لهذين الحزبين أوجدها ودربها وسلحها الحرس الثوري الإيراني، كما ان آراء الحزبين بالنسبة الى السياسة الدولية لا تختلف اطلاقاً عن آراء المسؤولين الإيرانيين.

ويضيف محدثي، ان المحافظين الجدد كانوا يعلمون بأن حزب الدعوة هو منظمة ارهابية، وانه هو من فجّر السفارتين الاميركية والفرنسية في الكويت عام 1983. وكان ناطق باسم السفارة الاميركية في بغداد قال يوم الثلاثاء قبل الماضي إن احد الشيعة الذين انتخب نائباً عام 2005 ويدعى جمال جعفر محمد متهم في اشتراكه في الهجوم، كما ان المسؤولين الاميركيين الذين كشفوا يوم الاحد الماضي عن تزويد إيران المجموعات المتطرفة بالأسلحة، قالوا ان هذا النائب (جمال جعفر محمد) كان حلقة الوصل في تهريب الأسلحة الى العراق بالتنسيق مع الحرس الثوري الإيراني وانه مرتبط بقوات القدس «ويُعتقد انه فر الى إيران».

ويقول محدثي، انه عندما شن مسؤولون اميركيون حملة على احمد الجلبي واتهموه بأنه يتجسس لصالح إيران، ووزعوا ورقة تدعو الى «تهميش الجلبي» ثار غضب المحافظين الجدد خارج الحكومة. الى ان حذر احدهم وهو مايكل روبن، في ربيع عام 2004 من ان إيران بدأت تقوِّي نفوذها في جنوب العراق، وتضخ مبالغ طائلة. لكن المحافظين الجدد، ورغم تنامي حدة المقاومة السّنية، اتخذوا قراراً بقبول المجموعات الشيعية العراقية التابعة لإيران كحلفاء مؤقتين ضد السّنة. ويذكر محدثي ان بول وولفويتز (مدير البنك الدولي حاليا وكان نائباً لوزير الدفاع) عندما قدم شهادته في 14 ايار (مايو) 2004 امام لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ قال «ان ادارة الرئيس بوش وافقت على بقاء هذه الميليشيات الشيعية طالما انها صديقة للولايات المتحدة». وقال إن تجريدها من السلاح «ليس جزءاً من المهمة، فمجرد ان تنشئ الولايات المتحدة مؤسسات امنية بديلة، فان هذه الميليشيات ستزول». ثم سُمح للميليشيات بالمشاركة في الانتخابات عام 2005، وتم تشكيل الحكومة الشيعية في نهاية ذلك العام، ومع هذه التطورات صار حتمياً دخول العراق في نفق الحرب الاهلية.

ويروي محدثي، انه طوال عام 2004 وفي النصف الاول من عام 2005 استغلت الميليشيات الشيعية سياسة الولايات المتحدة الداعمة، فثبَّتت سلطتها في بغداد وبدأت في نشر الرعب في الاحياء السّنية. وبعد ان شكل ابراهيم الجعفري، من حزب الدعوة، الحكومة، اعطى وزارة الداخلية لبيان صولاغ جبر، فاقتحمتها منظمة بدر وعاد العراق دولة رعب. ورغم ان وسائل الاعلام ومنها الاميركية كتبت بأن «فرق الموت» التابعة للوزارة تتحرك بحرية في العاصمة، ظلت ادارة بوش ترفض الاعتراف بوجود اي مشكلة مع الميليشيات الشيعية الموالية لإيران. ولو لم يقع صراع داخلي ضمن مسؤولي الادارة في نهاية عام 2005، لما بدأت السفارة الاميركية في بغداد بمواجهة الضغوط الشيعية لإخلاء بغداد من السنّة، لكن الوقت كان قد تأخر وبدأت الحرب الاهلية، واظهر السنّة رعباً اشد ورغبة اسوأ في الانتقام البشع الانواع.

المشكلة الآن، ان الشرطة مخترقة من قبل جيش المهدي، وان الجيش الوطني ينتشر في صفوفه مقاتلو تنظيم بدر، وواشنطن تركز على حملتها ضد إيران، والضحية في النهاية كما في البداية هو الشعب العراقي الذي احتج باسمه مرة احد الصحافيين من هدير طائرات الهليكوبتر التي تحلق طوال الليل فتحرمه النوم، فكان رد الجنرال السابق مارك كيميت: «ان الصوت الذي يسمعونه هو صوت الحرية».

لقد بدأ يتساقط مصدر هذا الصوت (5 طائرات هليكوبتر اسقطت)، فهل يعني هذا ان الشعب العراقي، الذي خسر كل شيء، لن يصل في النهاية الى الحرية؟