مساء وصباحا

TT

لكل يوم في الرياض أمسية ثقافية. وكل أمسية تسمى باسم يومها: خميسية العبيكان مساء الخميس، وندوة حمد الجاسر صباح الخميس، وهي الصباحية الوحيدة. وثلاثية عزام الدخيل مساء الثلاثاء. ولكل موعد ثقافي متوسط، أو معدل أعمار معينة. وحالفني حظ بالغ أنني حللت ضيفا على الندوات الثلاث. فكان معدل السن بين حضور دارة الشيخ حمد الجاسر، معدل الحكمة. وفي مزرعة العبيكان كان المعدل مختلطا وحائرا ما بين حكمة الشيوخ ومن هم دونهم. وفي ثلاثية عزام الدخيل كنت الأكبر سنا والأقل حكمة، لأن الحاضرين بلغوا مدارك النجاح وهم بعد لا يشيبون ولا شعرة بيضاء. وما شاء الله.

وعرفت أنني المحاضر في لقاء دارة حمد الجاسر من الصحف. ومن الصحف أيضا عرفت موضوع المحاضرة التي سألقيها. واكتشفت قبيل الموعد بقليل أن الزميل محمد رضا نصر الله نسي أن يبلغني بأنني محاضر الدارة هذا الأسبوع وان عليّ أن أتحدث عن الرحَّالة والاستشراق، وان مدة اللقاء ساعتان إلا خمس دقائق! وعندما عاتبته لأنه وضعني أمام الأمر الواقع، قال يصرفني عن المعاتبة: «أنت أفضل في الارتجال». وصدّقت.

وفي مزرعة العبيكان كان الموضوع أكثر تعقيدا وصعوبة. فقد أراد المشاركون أن يعرفوا الجواب على سؤال هائل السهولة والبساطة: «لبنان إلى أين». ورفعت رأسي إلى السماء الصافية ونجومها المتلألئة، وقلت «الجواب عنده وحده». وعاملني الجميع على أنني المسؤول الأول والأخير عما يحدث في لبنان: لماذا، وكيف، ومتى ولِمَ وما بالكم، لا تفقهون. وشرحت أنني مجرد مواطن أملك قلما وورقة وليس إلا!

واقترح الحاضرون أن نستخدم أسلوبا آخر في النزاع: لماذا لا «نتوسل» الفريقين أن يرأفوا ببلدهم. وأعطاني الدكتور حمد القاضي، عضو مجلس الشورى «تعليمة» قائلا: إننا يجب أن نحنن القلوب الفظة بأن نقرأ عليها شيئا مما كتبه بدوي الجبل في الطفولة.. وأخذ يقرأ:

وما لُمتُ في سكب الدموع فلم تكن ـ خُلقت دموع العين إلا لتسكبا

«...» ويا رب من أجل الطفولة وحدها ـ أفض بركات السلم شرقا ومغربا

ومن ضحكة الأطفال يا رب انها، إذا غردت في موحش الرمل أعشبا

وأعادني الدكتور القاضي إلى زمن الشعر في زمن محمد سليمان الأحمد. وتركني أردد في بَّر الرياض:

وردّ الرمال السمر خضرا وحاكها ـ سماء وأغناها ووشى كوكبا

ولاعب في حال من الرمل ربربا ـ وضاحك في غالٍ من الوشي ربربا