الحوض الثري في داخلك!

TT

أتأكل وتشرب وتتقلب وتشعل النار في الذي ابتلعته ثم تجري وتقف.. وتنام وتقعد والنار تتفاوت درجاتها في جسمك من التفكير في شيء أو قلة التفكير في شيء، أو صعوبة التفكير أو الهضم لأي شيء.. وبعد ذلك تتصور أن معدتك تستريح وأمعاءك أيضا.. وكذلك بقية الأعضاء والغدد والسوائل الحمراء والبيضاء والصفراء، كل ذلك يجري ويتخبط ويتلاطم في داخلك مدى الحياة التي طولها سبعون أو ثمانون عاما.. كل ذلك يحترق في داخلك دون أن يصاب فيك شيء بشيء؟!

أنت حوض ماء ونار ودخان وغازات وعواصف وبرق ورعد.. والحوض يتقلب يمينا وشمالا.. يتسع ويضيق.. ويلتوي وينحني وينكسر.. ومجالات مغناطيسية وكهربائية وتخاريف وأوهام وأشباح وأرواح.. ويعاد صبغ كل هذه السوائل بالأسود والأبيض..

كل هذه الاحتراقات والاختناقات التي تدور في داخلك.. وبعمليات شديدة التعقيد.. دون أن يحترق سلك واحد.. دون أن تفرقع لمبة واحدة.. دون أن تنحبس السوائل في مكان واحد.. دون أن تعتصر داخلك لكي تنقذ داخلك من خارجك.. أي من العوامل الخارجية..

لو قدر لك أن ترى شكل السوائل التي تنطلق في جسمك لوجدتها حمراء زرقاء وصفراء وخضراء وسوداء.. ووجدتها ترتعش وتنتفض ويخيل إليك أنها مجموعة من الثعابين أو الديدان.. أو العفاريت.. هذا هو أنت في أي وقت وفي أي موقع..

وأنا لست فنانا سرياليا أو تجريديا.. وإنما أنا أنظر إلى لوحة رسمها فنان كبير يصور بها الإنسان.. فيقول: إنه مجموعة من بقع الحبر من كل لون لا تجف أبدا.. يخيل إليك أنها نار من بعيد.. فإذا اقتربت فهي مياه رائحتها كريهة.. ولا يعرف الإنسان أين هي العبقرية في جسم الإنسان.. هناك عبقرية وعظمة. ولكن الإنسان لا يعرفها.. إنه عاجز أمامها.. ولكن كيف استطاعت هذه الأبخرة في جسم الإنسان أن تجعله هكذا عظيما؟

والجواب: لأنه ليس هذه المساحات اللونية فقط.. إنه هو الإحساس الأليم العميق بأنه كائن تافه.. وفي نفس الوقت لا يريد أن يكون كذلك!