متى تصادفني وأصادفك؟!

TT

تحدث في حياة كل إنسان مصادفات محيرة، بعضها (مفرح)، وبعضها (مترح)، ومن المصادفات التي واجهتني وكانت لا هي مفرحة ولا هي مترحة، إنني سكنت في احد الفنادق في بلد أجنبي وبعد أن صعدت للغرفة وفتحت حقيبتي لتعليق ملابسي، أخذت مظروفاً بداخله جواز سفري وتذاكري وبطاقاتي ونقودي لأودعه في (السيف بوكس) ـ أي الخزنة الحديدية ـ التي توضع في كل غرفة، ووجدت بابها مردوداً وغير مغلق، وحالما فتحت الباب وجدت نقوداً مختلفة من اليورو إلى الدولار، لا اكذب عليكم إنني ابتهجت وتبسمت في البداية وكأن الله بعث لي (رزقاً)، وأخذتها بين يدي، وجلست على طرف السرير أعدها، ووجدت أنها ليست كثيرة كما يجب، فخمنت أن صاحبها عندما شارف على الإفلاس ترك هذا البلد وسافر، ويبدو لي أن صاحبها اخذ يلم أمتعته وترك الخزنة مفتوحة ليأخذ نقوده منها في الآخر، ومن شدة عجلته نسي ذلك وخرج.

أخذت أفكر وأقلب الأمور واستخير. وبعد تردد قررت أن اذهب بتلك النقود (الحرام) إلى استعلامات الفندق، طبعاً شكروني على أمانتي المفرطة والمثالية، غير أن فضولي وحبي للاستطلاع أبى إلاّ أن اسألهم عن ذلك المغفل الذي سكن قبلي في تلك الغرفة ونسي نقوده.

وعندما اخبروني باسمه وإذا هو رجل اعرفه، وهو (أغنى من الغنى) وفي نفس الوقت هو (ابخل من البخيل)، فندمت كثيراً حيث لا ينفع الندم على إرجاعي المبلغ للاستعلامات، ولو أنني كنت اعلم سابقاً من هو صاحبها فيمين بالله كنت قد تصدقت بها أو على الأقل (بعزقتها) بالملاهي.

ومن الصدف العجيبة التي قرأت عنها انه في عام 1966، كان الطيار (رتشارد باخ) يحلق بطائرته القديمة من طراز (ديترويت) والتي لم يصنع منها في العالم كله غير ثماني طائرات فقط وذلك سنة 1929، وبينما كان محلقاً بها يستمتع بمناظر الريف، وإذا بعطب يصيبها، فاضطر مرغماً على الهبوط . اخذ يفحص الطائرة ووجد أنها سليمة ما عدا إن الدعامة التي تصل بين الجناحين قد كسرت، وبينما كان هو على هذه الحال الميؤوس منها، وإذا بفلاح يمر قائلا: (سلامات)، ماذا حصل؟!، أية خدمة؟!، فرد عليه رتشارد متهكماً: أبداً لقد كسرت هذه الدعامة، هل لديك واحدة مثلها لكي تسعفني بها؟!، فقال له الفلاح: بسيطة، أنت تأمر، وذهب إلى حظيرته القريبة، وما هي إلاّ دقائق حتى احضر له أخت تلك الدعامة، وكان قد اشتراها قبل سنوات من سوق الخردة على أمل أن يستفيد منها لسكاكين محراثه.

إنها صدفة عجيبة أليس كذلك؟!، ويقول بعض العلماء (المخرفين): إن هناك قوة خفية تتحكم بالمصادفة، ربما كانت جسيماً لم يتم اكتشافه بعد.

واليكم هذه المصادفة البايخة التي واجهتها عندما كنت أتسوق في احد (المولات)، رن تلفوني، فرددت سريعاً اسأل عن المتصل، فقال لي: أنا فلان، فين أراضيك يا شيخ؟!، وحيث أن فلان هذا لا ينزل لي ولا من (سابع زور)، فقد كذبت عليه وقلت: إنني في الرياض ـ بينما أنا في الواقع في جدة ـ، فرد عليّ قائلاً: وأنا كمان في الرياض وفي نفس (المول) الذي أنت فيه الآن، وقبل أن أرد عليه وإذا كتفه بكتفي، فقال لي وهو يضحك: إنني شاهدتك من بعيد وأردت أن اختبر مصداقيتك لهذا اتصلت بك، وتأكدت الآن انك ما زلت كما كنت: (تروغ مثلما يروغ الثعلب).

اعتقد أن ما حصل من مفارقة بيني وبين ذلك (السمج) لم تكن مصادفة، وإنما هي في منتهى (البواخة) منه، لأنه لم يتركني بحالي.