نصيبي من الشعوذة الطبية

TT

كتبت في حلقة ماضية عن الشعوذات الجارية في ميادين الصحة والطب وأتيت على ذكر وصفتي المفضلة وهي الزمن. الظاهر أن الشعوذة الطبية تنقسم الى قسمين: شعوذة الغني وشعوذة الفقير، وكلتاهما تتجاوزان عالم الطبيب الرسمي. لقد أصبح الأغنياء يتجاهلون الأطباء ومستشفياتهم الكئيبة ويفضلون عليهم ممرضات المصحات المترفة في سويسرا وفرنسا وأواسط أوربا. أما الفقراء فيميلون الى تجاهل الأطباء لفداحة أجورهم وعقاقيرهم. راحوا يفضلون عليهم التمائم والتعاويذ الشعبية التي لا تكلفهم الا بضعة قروش. لا بد أن لاحظ القراء أن وصفتي الزمنية تقع ضمن وصفة شعوذة الفقراء. لا يوجد شيء ارخص من الوقت في عالمنا العربي. وهكذا جاءت كل وصفاتي الطبية. كلها مصممة لمن لا يستطيع ان يشتري لنفسه حبة اسبرين.

بعد وصفة الزمن أسوق وصفة عمل الخير. هذه وصفة مجربة وثابتة. ولكن قلما ينتبه اليها الناس. خسئ المفترون الذين يقولون إن الإنسان فطر على الشر. كلا. الانسان مفطور على الخير. والشر شيء يطرأ عليه بفعل ظروف قاسية وسياسات رعناء. يعطينا العراق الآن افضل مثل على ما أقول.

عمل الخير دواء يصلح لكثير من العلل. أرى هنا في الغرب الكثير من فاعلي الخير من فصيلة المحسنين والمصلحين والمرشدين الاجتماعيين وكل من يسهر على شفاء المدمنين ويعطف على المسجونين والمعاقين والمقعدين والمرضى. يقومون بكل هذه الأعمال لا من باب الصدقة والإحسان أو طمعا بأجور أو مكسب، وإنما لإسعاف أرواحهم المعذبة والهرب من مشاكلهم وعللهم وعقدهم. بمعالجتهم لعلل الآخرين يعالجون عللهم الخاصة. سمعت بالرجل المصاب بالسل الذي التقى بمصاب بالسرطان. التقيا في أحد المستشفيات. فقال المسلول لنفسه «يا لهذا الرجل المسكين المصاب بالسرطان. علي أن أساعده وأخفف من آلامه في هذه الأيام القليلة الباقية من حياته». وقال المصاب بالسرطان «يا لهذا المسكين المبتلى بالسل. ما أحوجه لمن يعطف عليه ويداري خواطره». فراح يحنو عليه ويساعده. انطلق الاثنان يكدان ويسعيان لمساعدة احدهما الآخر. واذا بذلك السعي والمجهود يطيل عمريهما وينجيهما معا مما كانا فيه.

فعل الخير دواء لكثير من العلل. وهو دواء رخيص جدا. اذا كانت امراضنا قد ازدادت وتنوعت في هذا العصر فربما لأننا ابتلينا بالأنانية والفردية والاتكال على الدولة وعلى الأطباء في كل ما يصيبنا. افعل الخير للآخرين لتجد انك قد فعلت الخير لنفسك. سيقول المؤمنون هذا ثواب الله على عمل الخير. ويقول الملحدون هذه عملية سايكولوجية. ولكن اينما كنت من هذين المعسكرين، ستجد في كلتا الحالتين أن فعل الخير وصفة طبية ثابتة بالتجربة والبرهان. فضلا عن ذلك فهي وصفة مجانية ومتوفرة في كل مكان وكل وقت ولا تنفد من الصيدليات. ليست لها اعراض جانبية. لا ترهق القلب ولا تخرب الكليتين ولا تشمع الكبد ولا يصاحبها دوار أو صداع أو غثيان. أتحدى أي طبيب أن يأتي بمثلها.