الصعود والهبوط في تصريحات أحمدي نجاد

TT

هل يسير محمود أحمدي نجاد الرئيس الإيراني على خطى صدام حسين الرئيس العراقي السابق؟ وهل يريد ان يحل بإيران ما حل بالعراق؟ وهل يعتقد بأن الرئيس الاميركي جورج دبليو بوش يتخوف من ارتكاب خطأ آخر، قد يدمر إيران كما دمر العراق قبلها؟

وصف أحمدي نجاد البرنامج النووي الإيراني بـ«قطار يسير من دون فرامل». وهل يمكن لدولة تحترم نفسها، ان تسمح لقطار أن يسير من دون فرامل، ماذا سيحل بركاب ذلك القطار، وفي هذه الحالة، ماذا سيحل بإيران إذا وقع خطأ ما في البرنامج النووي؟

مع تصريحات احمدي نجاد المليئة بالتحدي، وفي وقت تخوض إيران صراعاً مريراً مع الأمم المتحدة حول برنامجها النووي، أعلنت عن إطلاق أول صاروخ فضائي. لم تعلن عن مدى ذلك الصاروخ، بل قالت انه وصل إلى الفضاء، وإذا كان هذا صحيحاً، فمعناه أنها تجاوزت عدة عقبات أبرزها الحرارة.

وكانت روسيا ساعدت إيران على إطلاق قمر صناعي، لكنها حتى الآن تعاني من كيفية ربط اتصال قمرها الصناعي بالأرض. والخطوة الأخيرة التي أقدمت عليها إيران لا بد أن تثير قلق روسيا، إذ سترى انه صار على حدودها الجنوبية دولة قادرة على إطلاق صواريخ، لأن برنامجاً نووياً مضافاً إليه قدرة «صاروخية» متقدمة يمكن أن يزعزع استقرار المنطقة والدول المحيطة بإيران، خصوصاً إذا نجحت إيران في صنع القنبلة لتضعها على رأس الصاروخ، عندها قد تثير القلق الروسي، كما انها تكون قد خرقت التزاماتها المتعلقة باتفاقية الحد من انتشار الأسلحة النووية.

توقيت إطلاق الصاروخ إلى الفضاء اعتبر تحدياً كبيراً، وهو جاء مع تصريح منوشهر محمدي نائب وزير الخارجية الإيراني القائل إن «إيران صارت جاهزة للحرب»، ثم تصريح احمدي نجاد بأن القطار يسير من دون فرامل.

يبدو أن «فرامل» أحمدي نجاد تحتاج إلى من يكبحها، لذلك بدأت تنطلق في إيران أصوات تدعو إلى هذا العمل، فبعد ان كان ممنوع على الصحف مجرد الإشارة إلى برنامج إيران النووي، أو توجيه انتقاد إلى احمدي نجاد، تكاثرت التعليقات المنتقدة والجريئة، وقال ابراهيم يزدي وزير الخارجية السابق: «إن تخصيب اليورانيوم ليس من المصلحة الوطنية حالياً». وقال رئيس نقابة الصحافيين رجب علي مزروعي: «إن رفض إيران تعليق برنامجها النووي يعني تعليق اقتصاد البلاد». وتأتي هذه التصريحات بعدما بدأ الإيرانيون يشعرون بعبء المقاطعة الاقتصادية التي فُرضت عليهم بعد صدور القرار 1737 في شهر كانون الأول (ديسمبر) الماضي، ذلك أن قيادتهم ما كانت تتصور أن قراراً دولياً سيصدر أصلا ومدعوماً من الصين وروسيا، وقد فاجأها ذلك، كما سيفاجئها، ان «الحنكة» التي يتمتع بها قياديوها وشعورهم بأنهم يخدعون العالم، كلما وصلت الأمور إلى حافة الخطر، إن هذا الـ«عالم» نفسه، صار مقتنعاً، بأنه في ليلة ما، بعد اشهر قليلة، وكما فعل ليلة 19 آذار (مارس) عام 2003، سيطل الرئيس الاميركي جورج دبليو بوش موجهاً رسالة إلى الاميركيين ليقول، انه بعد سنوات من المحاولات غير المثمرة، اضطرُ لأخذ قرار القضاء على الخطر، وليضيف بأن غارات جوية اميركية «بدأت منذ ساعات ضد إيران».

مجلة «نيوستاتسمان» البريطانية ذكرت في عددها الصادر في 19 شباط (فبراير)، إن عمليات عسكرية اميركية ضد إيران قد تبدأ في أي يوم، وان هناك ما لا يقل عن عشرة آلاف هدف يمكن ضربها في غارة واحدة من طائرات تنطلق من الولايات المتحدة، أو من قاعدة دييغو غارسيا، لأن الرئيس بوش يرغب في تدمير قدرات إيران العسكرية والسياسية والاقتصادية.

وحسب مصادر عسكرية بريطانية، فإن تركيز المؤسسة العسكرية الاميركية انصب كله على إيران منذ اللحظة التي أُخرج فيها صدام حسين من بغداد.

منذ أربع سنوات وأميركا تبني القواعد وتعد الخطط لـ«ملية تحرير إيران»، وقد ورث القائد الجديد للقيادة المركزية الادميرال فالون، خططاً محفوظة آلياً تحت اسم: «المسرح الإيراني على المدى القريب».

وقالت «نيوستاتسمان» انه بعد عمليات 11 سبتمبر أصبح في استطاعة البحرية الاميركية وضع ست حاملات طائرات في المعركة خلال شهر واحد، وان الحاملتين «جون سي ستنيس» و«دوايت دي ايزنهاور» يمكن أن تنضم اليهما ثلاث حاملات أخرى هي: «رونالد ريغان» و«هاري ترومان» و«تيودور روزفلت»، بالإضافة الى «نيميتز»، وان كل حاملة تتضمن المئات من صواريخ كروز.

ثم هناك «المارينز»، وستكون مهمتهم تدمير القوات الإيرانية القادرة على شن هجوم على حاملات النفط، بعدها سيحمي «المارينز» آبار النفط ومنشآتها. ويبدو أن «المارينز» يتدربون على هذه المهمة منذ نجاح الثورة الإيرانية عام 1979.

من ناحية أخرى، هناك علاقة مميزة بين ديك تشيني نائب الرئيس الاميركي وقوات المارينز، فجنرالات المارينز يتبوأون أعلى المراكز في الحلف الأطلسي، وفي البنتاغون، وهم مسؤولون عن كل الاسلحة النووية بقيادة الجنرال جايمس كارترايت. ومع مطلع هذه السنة تم نقل مقر قيادة المارينز من فيرجينيا إلى البحرين.

وحسب المجلة، فإن ميزانية غير محدودة للتكنولوجيا العسكرية سمحت العام الماضي بتطوير «القنابل الذكية» حتى مستوى مرتفع جداً، كما إن طائرة «ستيلث» واحدة أو قاذفة «بي 52»، يمكنها أن تقصف ما بين 150 إلى 300 هدف بدقة قد تحيد متراً واحداً فقط، وذلك عبر استعمال «النظام العالمي لتحديد المواقع».

إيران كلها تقع على بعد مسافة طيران ساعة من قواعد أو حاملات طائرات اميركية، وليس بسر أن الولايات المتحدة انتهت من إقامة ثلاث قواعد عسكرية في اذربيجان قد تستعمل كنقاط ترانزيت للقوات الاميركية، لا سيما وان التسهيلات فيها مساوية لأفضل القواعد في أوروبا. ولن يتردد الرئيس الأميركي هذه المرة، إذا ما وقعت الحرب من استعمال الأسلحة الاميركية المتفوقة حتى أقصى مدى، كي لا يُتهم بأن تقشفه في استعمال ما تملك أميركا من قوة عسكرية سمح لإيران بالمواجهة.

كثيرة هي الدول التي بدأت تزكم أنوفها رائحة الحرب المقبلة على إيران. هناك من الدول من يعيد حساباته ومجالي الربح والخسارة مثل الهند، أما دول الخليج العربي فإنها تسعى لتجنب ردات فعل هذه الكأس المرة والدموية، لكن بعض المسؤولين في لبنان وفي فلسطين، يعتبرون أن إيران توجع اميركا في العراق، وبالتالي فإن الدولة العظمى لن تجرؤ على «التحرش» بإيران. فهي التي يسقط لها ثلاثة جنود يومياً في العراق، لا يمكن أن تتحمل سقوط العشرات منهم إذا ما شنت حرباً على إيران، ويراهن هؤلاء على أن «الانتصار» الإيراني، سيعيد فلسطين وقضيتها إلى الواجهة العالمية، كما انه سيطيح نهائياً الحكومة اللبنانية فتكسب المعارضة، لكن، هل تعني ورطة الولايات المتحدة أن العراق قد انتصر؟

يشير احد الدبلوماسيين إلى أن القرار البريطاني بالانسحاب من البصرة مرتبط بقرار اميركي في الحرب على إيران، لأن قوات اميركية ستحل محل القوات البريطانية المنسحبة، استعداداً لهجوم بري من البصرة، لتحريك عرب الأهواز ولحماية آبار النفط العراقية. واحتجت إيران على ما يجري على الحدود مع باكستان عندما قامت مجموعة تطلق على نفسها اسم «جند الله» بقتل 11 عنصراً من الحرس الثوري الإيراني في هجوم على مدينة «زهدان» في مقاطعة «سيستان ـ بلوشستان» الإيرانية. واتهمت طهران واشنطن بتحريك مجموعات من باكستان للتحريض على مشاكل اثنية ومذهبية في إيران.

القطار الذي لا يمكن فرملته، قد لا توقفه، إذا ما وقعت الحرب، الا «إيران فيديرالية».

ففي العام الماضي، عُقد مؤتمر في واشنطن جمع ممثلين لمنظمات عن الأكراد الإيرانيين، والبلوش، والأهواز، والتركمان، والآذريين بهدف تشكيل جبهة موحدة ضد النظام الإيراني.

وإذا كان التركيز على جبهة البصرة ـ عبادان (حيث عرب الأهواز) فإن بلوشستان مهمة جداً للأمن القومي الإيراني، لأنها تحد باكستان وأفغانستان. ثم إن مقاومة سنيّة يقوم بها البلوش ستعتبرها واشنطن في غاية الأهمية. وكانت واشنطن أوقفت اتصالاتها مع بلوش إيران، عندما احتاجت إلى حماية طياريها إذا ما سقطوا في الأراضي الإيرانية أثناء الهجوم على أفغانستان عام 2001.

الآن، مع الخطط العسكرية يدرس البنتاغون ما إذا كانت إيران ستسير على طريق «التفكك»، كما يحصل في العراق، وكما حل بالاتحاد السوفياتي.

كان صدام حسين يستعرض «المليون» جندي ـ قوات القدس ـ مهدداً بهم القوات الاميركية. دخلت هذه، رحل صدام، تدمر العراق والقصة مستمرة...

محمود احمدي نجاد بدأ رئاسته بوعد «عودة الإمام المهدي»، ثم صعد بصاروخ الى الفضاء، وأطلق الصفارة لينطلق القطار النووي من دون فرامل، وعاد ليصب غضبه على ارتفاع سعر «كيلو البندورة» (الطماطم)، ويتهم «المتآمرين» بتدمير الاقتصاد الإيراني.

على المسؤولين الإيرانيين، أن يراجعوا كل البيانات، والخطب والمؤتمرات الصحافية التي قالها الرئيس الاميركي، علّهم يقرأون بين السطور الواضحة عن «قراره» إعلان الحرب على إيران، ويراجعوا في الوقت نفسه الصعود والهبوط في تصريحات احمدي نجاد الذي وصل إلى الفضاء، وأعاده إلى الأرض «رأس بندورة» وبعدها يقررون أي إيران يريدون...