(2 + 6): «فسطاط» عربي بلا تطلعات إقليمية!

TT

ليس أكثر دقة من أن توصف التحركات العربية الناشطة الآن، استعداداً لقمة الرياض المقبلة، بأنها تأتي كلحظة لالتقاط الانفاس عند المنعطف الخطر. فالمنطقة متفجرة بالفعل، وهي تنتظر زلازل وعواصف كثيرة، بالإضافة إلى زلازلها وعواصفها الحالية المدمرة والتشظي العربي تجاوز الخطوط الحمراء وبات يقترب من الكارثة، وهذا كله هو الذي أدى الى بروز المحور، الذي كان لا بد أن يبرز والذي، بالإضافة الى دول مجلس التعاون الخليجي، يضم مصر والمملكة الأردنية الهاشمية.

لأسباب كثيرة أصبح العرب عشية احتلال العراق، وبعد ذلك بدون مرجعية وبدون مركز ثقل، يجمع الجميع وهذا أدى الى حالة انكفاء غير مسبوقة، والى إغراء كل من يبحث عن دور إقليمي في هذه المنطقة بالسعي لملْء حالة الفراغ التي غدت تعيشها باختراقات أمنية وسياسية، اتخذت أشكالاً وصورا متعددة في العديد من الدول العربية!

كان الوضع العربي كله ذاهب الى الانهيار بخطى سريعة ومتسارعة، فيما أخذت الأطماع الدولية والإقليمية تحقق رؤوس جسور في لبنان وفي العراق وفي فلسطين وفي مناطق أخرى كثيرة. ولذلك فقد بدأ العالم يتعامل مع القضايا العربية بعقلية أن أهلها غائبون، وأنه لا وليَّ لها ولا مدافع عنها، وأن هناك إمكانية لتوزيعها كغنائم سائبة على الطامعين القادمين من وراء البحار وعلى الذين انتعشت نزعاتهم الامبراطورية القديمة، بعد أن حدث في هذه المنطقة ما حدث خلال السنوات الأخيرة، وبخاصة بعد انهيار الجبهة العراقية.

إنها حالة مزرية مؤرقة بالفعل، فقد أصبح حتى من هم الأكثر تلويحاً بالشعارات القومية والأكثر هتافاً للوحدة يبحثون عن مواقع لهم في غير القاطرة العربية، وهذا كله تطلب نصْب «فسطاط» عربي مقابل «الفسطاط» الآخر المعروف الذي أخذ يستقطب الذين تسرب اليأس الى قلوبهم، وباتوا يخرجون من جلودهم الحقيقية بحثاً عن جلود مستعارة جديدة.

يجب ألا يخشى الذين تصدوا لمهمة انتشال الوضع العربي من الحالة المأساوية التي انتهى إليها، وفي طليعتهم المملكة العربية السعودية، من تهمة التمحور والمحورية، فالقاطرة العربية المتعطلة والمتوقفة بحاجة، بل بأمس الحاجة، الى محور لتستطيع مواصلة السير في الاتجاه الصحيح. والوضع العربي التائه والذي تتنازعه الأهواء ويطمع فيه الطامعون، بحاجة الى مرجعية والى مركز لاتخاذ القرار الحاسم في الوقت الصحيح، وبحاجة إلى اللملمة والتجميع بعد كل هذا الانفراط والتشظي الذي لا مثيل له، إلا ما كان عليه وضع دويلات الطوائف في نهايات الوجود العربي والإسلامي في الأندلس.

لا عيب ولا ضير في أن يبرز هذا المحور الذي برز ما دام أن الهدف هو لملمة الشمل العربي المتشظي، وما دام أن الغاية هي المصلحة العامة ثم ما دام أن هذا «الفسطاط العربي»، الذي ارتفعت أعمدته هو للجميع وما دام أن أروقته مشرعة أمام كل من لديه الرغبة في أن يشارك في عملية الاستنهاض هذه، التي كان لا بد من أن تبدأها مجموعة طلائعية اتفقت على الخير، وتعاهدت على هدف نبيل وعلى مهمة مشرِّفة.

لأن الموقف العربي الموحد ولو بالحدود الدنيا، كان غائباً عشية احتلال العراق، وبعد ذلك فقد جرى في هذا البلد العزيز والشقيق ما جرى. فالتدخلات الخارجية في شؤونه الداخلية تجاوزت كل الحدود والفرز والاقتتال غدا، ليس وفقاً للمواقف السياسية وما هو في مصلحة العراقيين، وما هو ليس في مصلحتهم، وإنما وفقاً لنزوات وحش المذهبية البغيضة، الذي استفاق من غفوته الطويلة، وبات يهدد المنطقة كلها بكل كياناتها ودولها ومجتمعاتها.

ولذلك وقد بدأت «فساطيط» التطلعات الامبراطورية البائدة القديمة تُنصْب و«على عينك يا تاجر» في أكثر من بلد عربي، في هيئة رؤوس جسور أمنية وسياسية على أسس مذهبية وطائفية، فإنه لا بد من أن يكون هناك «الفسطاط العربي» الجامع الذي يضم كل الخيرين والمخلصين العرب، وليكون بمثابة الخندق المتقدم للدفاع عن الشرف العربي المستهدف والسيادة العربية المعتدى عليها.

منذ البداية فإن هذا «الفسطاط العربي»، الذي بدأ ينهض لم يستثن أحداً على الإطلاق، وهو لم يتخذ موقفاً سلبياً، حتى بالنسبة للذين غادروا مواقعهم السابقة في اللحظة المريضة، والمؤكد أن قمة الرياض التي ستنعقد في نهايات هذا الشهر، ستكون واحدة من أهم القمم التي انعقدت في السنوات الماضية من هذا القرن، وفي سنوات القرن الماضي أولاً، لأنها تنعقد وقد أصبحت هناك مرجعية عربية بعد طول ضياع وتشتت وتفتت، وثانياً لأنها ستكون قمة تغليب الأساسي على الثانوي، وتقديم المصلحة العامة على المصالح الخاصة.

ماذا يمكن أن تكون الصورة عليه لو أن هذا «المحور» السعودي ـ المصري ـ الأردني، والذي يضم وإن بصورة غير معلنة دول مجلس التعاون الخليجي الأخرى، لم يبرز من بين شآبيب الظلمة واليأس، ليشكل رافعة عربية وإسلامية في ظرف من أصعب الظروف ووقت من أصعب الأوقات.. ؟

إن ما هو مؤكد ولا نقاش فيه هو أن اجتماع إسلام آباد، الذي ضم وزراء سبع دول إسلامية، هي باكستان وتركيا وأندونيسيا وماليزيا ومصر والأردن والمملكة العربية السعودية، الذي أعد للقمة الإسلامية التي تقرر عقدها في الرياض، ما كان من الممكن ان يكون لولا هذه الرافعة العربية التي شكلتها صيغة: «2 + 6» التي تضم دول مجلس التعاون الخليجي ومصر والأردن.

ستكون القمة الإسلامية، التي ستنعقد في الرياض خلال فترة قريبة، بمثابة الإطار الأوسع للنواة العربية التي تشكلت مـن مصر والأردن والمملكة العربية السعودية وباقي دول مجلس التعاون الخليجي، وأن هذا الإطار الإسلامي سيكون حتماً بمثابة العمق الطبيعي لـ«الفسطاط العربي» الذي بدأ ينهض والذي لن يقتصر بالتأكيد على صيغة «2 + 6» بل سيضم أيضاً بعض دول المغرب العربي، ومن بينها الجزائر والمملكة المغربية.

لن يكون هناك تمحورٌ رغم قيام هذا المحور، ولن يكون هناك استقطاب رغم بروز هذا القطب العربي ـ الإسلامي والهدف هو جمع الكلمة وهو التنسيق، وهو أن تكون هناك مرجعية عربية وإسلامية بعد غياب طويل لهذه المرجعية، وهو أيضاً أن يواجه العرب والمسلمون العالم بوجه واحد وأن يخاطبوه بلغة واحدة واضحة ومفهومة.

وهنا ولمزيد من إيضاح لهذه الحقيقة الآنفة الذكر، فإن ما يجب التوقف عنده هو أن العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني، قد حرص قبل ذهابه الى الولايات المتحدة، في زيارة تاريخية سيخاطب خلالها الكونغرس الأميركي بجناحيه، على زيارة مصر والمملكة العربية السعودية، والاتفاق مع خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، ومع الرئيس محمد حسني مبارك على ما سيقال باسم العرب كلهم في هذا اللقاء الفريد، والذي سيكون في غاية الأهمية.

لم يسبق لأي قائد عربي أن خاطب الكونغرس الأميركي بجناحيه منفرداً، وبدون مشاركة مع الآخرين، ولذلك ولأن هناك هذا التنسيق الثلاثي السعودي ـ المصري ـ الأردني، ولأن هناك صيغة: «2 + 6»، فإن ما سيتحدث به الملك عبد الله الثاني تحت قبة «الكابيتول هيل» سيكون باسم هذا المحور أولاً، وباسم العرب كلهم ثانياً، وأيضاً باسم الدول الإسلامية التي التقى وزراء خارجيتها قبل أيام في إسلام آباد، والتي سيعقد قادتها ورؤساؤها قمة قريبة في المملكة العربية السعودية، التي بادرت إلى الإمساك بزمام المبادرة لإعادة الوضع العربي والإسلامي الى الطريق الصحيح وإيقافه على قدميه، بعد أن طال وقوفه على رأسه.

لا توجد قضايا خاصة سيحملها الملك عبد الله الثاني بعد نحو إسبوع الى واشنطن، والقضايا التي سيتحدث بها أمام الكونغرس الأميركي بجناحيه، في فرصة نادرة، هي ما تم التوافق عليها مع خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله الثاني بن عبد العزيز ومع الرئيس مبارك، وما تم التشاور بشأنها مع قادة ورؤساء صيغة: «2 + 6».

لا توجد قضايا أردنية خاصة، والقضايا التي سيتحدث بها الملك عبد الله الثاني أمام الكونغرس الأميركي بجناحية، هي قضايا الهم العام للأردن وللمملكة العربية السعودية ولمصر ولباقي دول مجلس التعاون الخليجي، وهذه كلها قضايا عربية عامة، أهمها مشكلة الملف النووي الإيراني، وضرورة حلها بالحوار والوسائل السلمية والأزمة العراقية المتفاقمة، والوضع الفلسطيني المتردي والمأزق اللبناني الخطير.