وقائع ما حدث بعد زوال أمريكا وإسرائيل

TT

حكايات كثيرة عن أطباق طائرة ظهرت في أماكن عديدة من العالم، وأنها اختطفت بعض الناس وأعادتهم بعد أن أجرت عليهم بعض الأبحاث العلمية. ثم حكايات أخرى عن أن المخابرات الأمريكية والغربية قبضت على عدد من الكائنات الفضائية أجرت عليها أبحاثا تحت ستار كثيف من السرية، ثم روايات وأفلام عن محاولات كثيرة قامت بها كواكب شريرة لغزو الكرة الأرضية، لكن لا أحد أخذ هذه الحكايات مأخذ الجد ربما بعد أن أتضح لكل سكان كوكبنا التعس أن الأمل منعدم في أن تأتي مخلوقات أخرى من الفضاء الخارجي لتخلصهم من الغباء والحماقة والوحشية التي يبدو أنها تحولت بفعل الزمن إلى شيء أشبه بالقدر الإغريقي القديم الذي لا سبيل إلى الإفلات منه. غير أن ما حدث مؤخرا في أمريكا وإسرائيل يجعلنا نعيد النظر في موقفنا من كل الروايات والحكايات التي سمعناها من قبل عن المخلوقات القادمة من كواكب أخرى.

فمنذ عدة أسابيع أثناء العطلة الأسبوعية بينما كان معظم أفراد الشعب الأمريكى والإسرائيلي خارج البيوت، في المتنزهات والمنتجعات وشواطئ البحر والملاعب الرياضية، ظهرت على شاشات الرادار في البلدين أجسام غريبة مجهولة الهوية، وعلى الفور تصدت لها المقاتلات في البلدين، وهنا حدثت المفاجأة التي كانت بمثابة صاعقة الصواعق، كانت الأجسام المغيرة أطباقا طائرة هائلة الحجم، قطر كل منها لا يقل عن عشرة كيلومترات، عجزت الطائرات وأجهزة الاتصال الأرضية عن الاتصال بقادة هذه الأطباق لمعرفة الهدف من وجودهم، غير أنها فشلت في ذلك لاستحالة التعرف على اللغة التي يتكلمون بها فصدرت لهم الأوامر على الفور بالتعامل معها وتدميرها بوصفها قوات معادية، غير أن كل الصواريخ التي وجهت إليها لم تصبها بسوء. وهنا بدأ الفزع يستولي على العسكريين في البلدين، فقد كان من المستحيل استخدام القنابل الذرية لإسقاط هذه الأطباق نظرا لقربها الشديد من الأرض، هكذا أصبحت السماء والأرض مكشوفتين تماما في البلدين في مواجهة عدو محصن تماما ضد كل أنواع النيران وقادر على أن يصب جحيما من نيرانه على أي مكان. غير أن ذلك لم يحدث، حدث أمر آخر يعجز الخيال عن استيعابه، اقتربت هذه الأطباق من الأرض إلى أن أصبحت على بعد خمسمائة متر تقريبا ثم تحولت إلى شفاطات عملاقة أخذت تشفط الناس من على الأرض، كانت الناس تطير في الهواء بسرعة البرق لتختفي داخل الأطباق، بعد ساعتين بالضبط خلت الشوارع في أمريكا وإسرائيل من الناس، شفطوا جميعا. غير أن هذه الشفاطات كما أتضح فيما بعد كانت عاجزة عن شفط الناس من داخل المبانى أو السيارات، وعلى الفور تم توجيه رسائل للمواطنين من خلال التليفزيون والراديو بألا يغادروا مساكنهم أو سياراتهم، عدد من التعساء خرجوا من منازلهم أو من سياراتهم أو أطلوا من النوافذ ليستطلعوا الأمر فتم شفطهم على الفور.

كما هو متوقع صدرت الأوامر للقوات المسلحة لتلزم ثكناتها تحت الأسقف، كانت هذه هي نقطة الضعف الوحيدة في هجوم الشفاطات التي أمكن اكتشافها بسرعة ثم بدأت الحقائق تتوالى، الشفاطات لا تستخدم الهواء الجوي بل تستخدم نوعا من الإشعاع يتعامل مع جينات البشر بدليل أنها كانت تشفط الأمريكيين والإسرائيليين فقط ولا تشفط العرب المقيمين في أمريكا وإسرائيل حتى لو كانوا حاصلين على جنسية البلدين. لم يكن الأمر في حاجة لذكاء كبير ليدرك حكام البلدين أنهما في طريقهما عمليا إلى الزوال بعد أن تحولت كل شقة وكل بيت وكل سيارة إلى جوانتانامو صغير، وأن مصير شعبيهما هو واحد من اثنين، الموت جوعا وعطشا أو الاختفاء شفطا. غير أن كل المنظمات العربية الأمريكية بادرت على الفور بتحمل مسؤولية إمداد الناس المعتقلين بالطعام والمياه إلى أن يقضي الله أمرا كان مفعولا.

خرجت المظاهرات الفرحة في كل العواصم العربية تهتف باسم الكوكب الذي أرسل هذه الشفاطات بعد أن قال أحد علماء الفضائيات إن الكوكب معروف لقدامى العلماء العرب وأن اسمه «شفاطونيا» وأن الله سبحانه وتعالى سخره لحمايتنا والقضاء على الشعبين الإسرائيلي والأمريكي بدليل أن العرب في البلدين لا يشفطون. وقال السيد أحمدي نجاد في بيان مقتضب: أقول، لهؤلاء الذين يحملونني مسؤولية زوال أمريكا وإسرائيل، أعترف أنني تمنيت زوال إسرائيل فقط.. ولكن يبدو أن أحدا آخر يماثلني في قوة الإيمان تمنى زوال أمريكا.. على أية حال زيادة الخير خيرين.

اجتمع اتحاد الكتاب العرب وأصدر بيانا نقتطف منه ما يلي: بعض المغرضين والعملاء يقولون إننا لن نجد ما نكتبه بعد زوال أمريكا وإسرائيل، الذي سيتبعه حتما سقوط نظرية المؤامرة، غير أننا نقول لهم، في الخمسين عاما الماضية كنا ضحايا للإمبريالية الأمريكية والصهيونية العالمية وكان التزامنا القومي والوطني هو العمل ضدها، أما الآن وللخمسين عاما القادمة علينا أن نبذل مجهودا أكبر في شرح ما كانوا يفعلونه بنا مسلحين بالوثائق هذه المرة، شعارنا الآن هو لا تنسوا ما فعلوه بنا. إن الحفاظ على الذاكرة القومية التاريخية هو أكثر مهامنا قداسة ولذلك سنتولى سحق كل من يعمل على إلغاء هذه الذاكرة.

اتخذت حكومة أولمرت قرارا شجاعا وعمليا وهو تعيين حكومة من عرب إسرائيل تتولى تسيير الأمور في الدولة بعد أن اتضح أنهم الوحيدون القادرون على الحركة من مكان لمكان بغير تهديد بالشفط. هكذا تم على عجل استدعاء مفكر عربي عضو الكنيست ونجم تليفزيوني مشهور يتسم بالقدرة الخارقة على طرح قضايا منطقية بغير أن تفهم منها شيئا محددا، ثم طلب منه أن يقوم بتشكيل حكومة من الشخصيات العربية فوافق على الفور. بعد ساعتين كان السيدان أبو مازن وإسماعيل هنية ينزلان من سيارة واحدة أمام مبنى مجلس الوزراء ويدخلان مباشرة على رئيس الوزراء الجديد، وبعد ساعتين من النقاش الجاد والحاد قال لهما: أنا مفوض فقط بتسيير الأمور في دولة إسرائيل إلى أن نتبين أبعاد وحقيقة ما يحدث.. وبصراحة لا أريد أن أنقل إلى هنا ما تفعلونه هناك.. كل ما أستطيع أن أعدكم به هو تشكيل وفد للتفاوض معكم على أساس خارطة الطريق.

كان من الطبيعي بعد ذلك أن يفعل الرئيس بوش نفس الشيء، زودته أجهزته بعدد من أسماء العرب الأمريكيين ليكلف واحدا منهم بتشكيل الحكومة الأمريكية الجديدة، فتم استدعاء أصحاب هذه الأسماء على الفور وفي المكتب البيضاوي أبلغهم الرئيس بوش بأنه قام بتعيين شاب عربي من باحثي معهد كارنيجي رئيسا لحكومة أمريكا لفترة مؤقتة، كما طلب منهم توزيع الحقائب الوزارية على الموجودين فطلبوا منه إعطاءهم مهلة شهرين للتشاور، ولكنه أعطاهم ربع ساعة فقط، لا نعرف ماذا حدث في الربع ساعة هذه غير أن شهود عيان قالوا إن الطبيب ورجال الإسعاف في البيت الأبيض تم استدعاؤهم خمس مرات في هذه المدة القصيرة، كل الحقائب تم حسمها بسهولة ماعدا حقيبتين، الداخلية والمالية. وأخيرا أصدر الرئيس بوش أوامره بتعيين وزيرين من الأمريكيين لا يغادران مكتبيهما وأن يقوما هما بمهمة تعيين نائبين لهما.

سافرت عدة وفود عربية على الفور إلى أمريكا للاجتماع بالحكومة الجديدة، طلبت الوفود العربية من الحكومة الأمريكية أن تؤكد لها التزامها بكل الاتفاقيات والمعاهدات التي سبق إبرامها مع الحكومات الأمريكية وخاصة ما يتعلق منها بالمعونات والمنح، وكان رد الحكومة الأمريكية هو: لا نستطيع في هذه المرحلة على الأقل أن نعدكم بأننا سنلتزم بذلك.. ولكن من المؤكد أننا سنحترم هذه الاتفاقيات.

الأداء العربي في تسيير أمور البلاد كان رائعا فيما عدا حوادث قليلة ومنها أن عددا من اللواءات السابقين في الأمن العربي الذين هاجروا إلى أمريكا بعد خروجهم إلى المعاش، كان من الطبيعي أن يتم تعيينهم مسؤولين عن الـ FBI فحدث أن قاموا باعتقال عدد من المشتبه فيهم من العاملين في مصانع الشفاطات ومصانع الأطباق والحلل الألومنيوم ثم أفرجوا عنهم بعد ذلك بالرغم من أن بعضهم اعترف بأنه عميل لكوكب «شفاطونيا».

بعد مرور أربع وعشرين ساعة بالضبط على ظهور هذه الأطباق الشافطة، واختفائها فجأة، عادت بعد دقيقتين لتضخ على الأرض كل الناس الذين شفطتهم من قبل ثم تقلع عائدة إلى قواعدها المجهولة. الغريب أنه لا أحد من المشفوطين تذكر شيئا مما حدث له.

مرة أخرى عادت الحياة في أمريكا وإسرائيل كما كانت وكما ستكون، وعدنا نحن كما كنا وكما سنكون. ولكن لا بأس ببعض الخيال الجامح نتمكن به من رؤية الواقع بشكل أفضل وفي إطار من روح المرح الذي بدونه تموت القلوب بينما هي تنبض وهو المرض الذي يتهددنا جميعا، وهو أن نحيا بعقول عاجزة ونفوس تعسة وقلوب ميتة.

* كاتب مصري