مطاردة (ودية) في الرياض

TT

مساء أمس الأول، ذهبت لزيارة صديق قديم برفقة أحد الزملاء. وعندما مر بي هذا الزميل اعتذر عن التأخير قائلا إنه كان عليه الانتهاء من تغطية خبر جريمة المدينة المنورة. وما أن مضينا قليلا في شوارع الرياض وجاداتها، حتى لاحظت أن سيارة من سيارات فرقة الطوارئ، تقدمتنا ثم تراجعت، وتركتنا نتقدمها. وبعد قليل عادت فراحت تسير في محاذاتنا. وتطلعت في سائقها فرأيته يتطلع بي.

وقلت لزميلي ضاحكا: «هل أبدو كمشبوه؟». ولم يجب، كأنما يريد أن يزرع الشك في نفسي بأنه من المحتمل جداً أن يبدو من هم في شيبتي قتالين. ووضعت يدي على جواز السفر. وفتحته على صفحة التأشيرة. واستعددت لأن أقدمه للشرطة فور المطالبة بالهوية والأوراق الثبوتية. لكن السيارة تخلفت عنا من جديد. ومضينا إلى منزل الصديق محمد عثمان الذي يعتبر أنني الضيف الأقل كلفة في العالم. فكلما سألني ماذا أريد للعشاء أجيب «تبولة وعدس». وعندما يسأل «وماذا أيضاً» أقول «المزيد من التبولة وفيها المزيد من البرغل».

ويطول الطريق إلى منزل أبي ماهر كما طالت طريق نجد على أبي الطيب. وما أن دخلنا المتفرعات حتى ظهرت سيارة الشرطة من جديد. وقلت لزميلي، لماذا لا نتوقف ونعطي أوراقنا للجماعة؟ وقال، كيف نفعل ذلك إذا لم يسألوا عنها؟ قلت، لم يبق لدي شك بأن السيارة تريدنا؟ قال مطمئنا: هذه السيارات تجوب الرياض في النهار والليل بحثا عن المخالفين، فما ذنبنا نحن. إنني أسير بسرعة قانونية ولم أقطع إشارة حمراء.

الحقيقة أن الجملة الأخيرة لم تكن مقنعة تماماً. فإذا كان الزميل منهمكا في حديث ما، يترك أحيانا المقود، لكي يؤكد نقطة ما. وأحيانا يتوقف فجأة عند الإشارة الخضراء وأحيانا لا يتوقف عند الإشارة الحمراء. أو الصفراء. أو قوس القزح. وإذا خطر له أن يروي لك آخر نكتة يتوقف في منتصف الطريق. ويضحك، ثم يرويها، فيما أنت يد على قلبك وعين على سيارة الشرطة: هل تقدمت أم تخلفت.

وعندما وصلنا أخيراً أمام منزل محمد عثمان توقفت السيارة قربنا. وترجلت ويدي على جواز السفر، مفتوحاً على صفحة التأشيرة. وسألني الرقيب السائق: هل أنت فلان؟ قلت نعم. قال «هل تسمح لي أن أتعرف عليك». قلت: أرجوك. في مثل هذه الحال، اسمح لي أنا أن أتعرف عليك. على الأقل لأنك تكبدت كل هذه المسافة.