عذابات المطارات

TT

من يمر عبر المطارات الأميركية يشاهد كيف أصبحت ثكنات أمنية تحوي كل أنواع أجهزة التفتيش الحديثة التي لا تمر منها إبرة ألا وتدقق فيها. وربما بات من المستحيل على أي راكب مهما كان بارعا في تجاوز أجهزة الرصد وفي يده مقص أظفار دع عنك أسلحة نارية أو مفرقعات. لهذا أشعر بالتعاطف مع الراكب العراقي الذي امسك به رجال الأمن خلال تفتيش روتيني في مطار لوس انجلوس ووجدوا معه أسلاكا ومغنطيسا، والتي لا أتخيل أنها أدوات تصلح للخطف أو الخنق أو التفجير، وان كانت بالفعل حاجيات غير عادية في جيب أي مسافر، فما بالنا إن كان عربيا وعراقيا، لذا اعتبروه مشتبها به.

ولا أحد يجادل في ضرورات المسألة الأمنية في المطارات منذ أن صارت ساحة حرب لأكثر من ثلاثين عاما. لكن الخلاف هو على حجم الشك والبارانويا المبالغ فيها وفي إجراءاتها. وبالطبع لا توجد مبالغة في الظن أن هناك من يتربص بالطائرات، ويفكر في كيفية اختراق الحواجز الأمنية وتهريب سكين مطبخ، أو محلول متفجر، أو قنبلة يدوية. فاحتمالات الخطف واردة دائما في ذهن الجماعات الإرهابية منذ أن اكتشفت أن خطف طائرة بأربعة أشخاص يمنحها من الدعاية والاهتمام الدولي، أكثر من خوض حرب بآلاف الأتباع وأكثر من تفجير مائة سيارة مفخخة، أو أي عمل عدواني آخر. لقد ولت الأيام التي كان فيها الأهل يودعون ذويهم عند باب الطائرة، وحلت محلها نظرات الشك، وزرعت المطارات بالمخبرين المتلصصين على المسافرين والأجهزة التي تعري الراكب من كل شيء تقريبا.

لكن لا يخفى على المتابع أن الأمن في المطارات، خاصة الاميركية، يعيش حالة مبالغ فيها من حيث التجهيز والتفتيش والإجراءات ، وهي في بعضها مجرد إخلاء مسؤولية أكثر من كونه حاجة أمنية. إن أحدا لا يريد أن يتهم مستقبلا بأنه قصر في واجباته ، ومستعد لتعطيل مصالح الناس وتخريب سوق السفر بإرهاقها بتكاليف عالية لا علاقة لها بخدمة الراكب. وهي تذكرنا أحيانا بالمبالغة في إجراءات السلامة التي تلزم بها شركات الطيران، بهدف إنقاذ نفس واحدة في كل عشر سنين تكلف مليارات الدولارات، ومعاناة يومية تجعل حياة الناس صعبة في الوقت الذي يموت عشرات الآلاف من البشر في حوادث سقوط منازل أو صواعق كهربائية، او قيادة مخمورين للسيارات أو حتى في مغاطس الحمامات.

والخيط الرفيع الذي يفصل بين الضرورة والمبالغة المفرطة في المطارات نراه في تعدد التفتيش، واحتجاز الركاب، مع انه يفترض من الكاشفات التقنية ، انه لا يمكن أن يمر أحد أو شيء عبر أي حاجز إلا ويتم التعرف عليه دون الحاجة إلى الإجراءات الإضافية التي تكرر ولا تحمي كثيرا.   

[email protected]