.. لا سامحهم الله!

TT

كانت زوجة الزعيم الكوري الشمالي كيم إل سونج قد دعت السيدة سوزان مبارك إلى زيارة المكتبة العامة. ووقفت وراءهما. وفوجئت بالسيدة سوزان تطلب من أمينة المكتبة، أن تبحث على الكومبيوتر إن كانت في المكتبة كتب لأنيس منصور..

وأصابني دوار.. فقد خشيت ألا تجدا كتبا لي في المكتبة. ورغم انه ممكن جدا ألا تكون كتبي قد وصلت إلى كوريا، فما أبعدنا عنها، وأبعدها عنا.. ولكن فجأة ظهر اسمي على الشاشة وعدد من كتبي. وشعرت بالراحة، والتفتت السيدة سوزان تقول: طبيعي أن تصل كتبك إلى هنا!

وفي يوم أرسل لي رجل الأعمال رائد هاشم قائمة بأربعين كتابا من كتبي، بعث بها ابنه الذي يدرس في أمريكا، والذي أدهشني انه يعمل في مدينة صغيرة، فكيف وصلت هذه الكتب وغيرها إلى هذه القرية الصناعية!

وفي يوم زرت صديقي الأديب الإيطالي الكبير البرتو مورافيا، وأضحكته وضايقت زوجته الثانية، عندما قدمت له كشفا مطبوعا بعدد من كتبي في مكتبة مدينة تارانتو في أقصى الجنوب الإيطالي، وورقة تقول ليس لزوجته الأديبة (داتشا مارياني) كتاب واحد!

ولم تكن كتبي مترجمة إلى الإيطالية وإنما بلغتها العربية. وأدهشني. وسألت إن كان في هذه المنطقة الجنوبية النامية أحد يتكلم العربية. فقالوا: قليلون.. ووجدت عندهم كتبا بالصينية. وسألت إن كان احد يتكلم الصينية فقالوا: لا.. ولكن ربما جاء أحد!

وكان لي شاعر صديق سجين في مدينة (يورتوفينو)، أرسلت له عددا من كتبي وكتبت إهداء له بالعربية والإيطالية. وأدهشني إصراره. فقال: من يدري ربما زارني احد يعرف العربية فأطلب إليه أن يترجم صفحات من كتبك.. وفوجئت بهذه الكتب تباع في سوق الكتب القديمة في روما. وقد ألصقت عليها ورقة تقول إن لها سعرا خاصا، لأن المؤلف كتب الإهداء عليها للشاعر ارنولدو ساباتيني، الذي كان سجينا ومات!

وأدهشني جدا أن نسخة من كتابي «في صالون العقاد كانت لنا أيام» في بيت الملك السابق احمد فؤاد.. ودهشتي سببها أنه لا يستطيع أن يقرأها، وأنني عندما زرته كانت الزيارة مفاجئة فهو لم يضع هذا الكتاب بمناسبة الزيارة، وليس مضطرا إلى ذلك.. وتناولنا غداءنا وعشاءنا في باريس. وقابلته في الدار البيضاء وتعشينا في بيت وزير الثقافة، ثم قابلته في مصر مرتين. وفاتني أن اسأله من أين جاءه هذا الكتاب ولماذا؟

وهذا كله يدل على نشاط الناشرين للكتب، وفي نفس الوقت يدل على أنني لم أتقاض مليما عن كل الكتب التي تباع خارج مصر من كوريا شرقا إلى تارانتو جنوبا.. وإنما الناشرون ـ لا سامحهم الله ـ هم الذين يكسبون ويتظاهرون بالفقر من اجل نشر الثقافة لوجه الله!