أين المسؤولية؟

TT

أثارت مقالتي عن «المسؤولية، من المسؤول» تعليقات بعض الزملاء والقراء. وكلها تنعى موت المسؤولية. هذا موضوع يمس الاستعمال اللغوي للكلمة التي تنطوي على خلط الاوراق والتشويش على الجمهور. بيد ان لهذا الخلط جانبه القانوني ايضا بالاضافة الى الجانب اللغوي.

من اهم القواعد الفقهية في الشرع: «العقد شريعة المتعاقدين». معظم تصرفاتنا في الحياة تصرفات تعاقدية تتضمن التزامات على الطرفين. هذا التعاقد اما ان يكون صريحا في وثيقة، كما في صكوك التأمين، او ضمنيا كما يترتب على الراشي والمرتشي. وعندما يخل احد المتعاقدين بالتزاماته يحق للطرف الآخر مقاضاته. هذا ما يترزق عليه المحامون, بسبب كثرة الناكثين بالتزاماتهم. ولكنني لم اجد طرفا يوغل ويسرف في خرق العقود والالتزامات في كل مكان كالحكومات.

خذوا عقد التأمين مثلا. ندفع للشركة أقساطها وتلتزم هي بدفع اجرة تصليح السيارة اذا انصدمت. اذا لم تفعل فنقاضيها في المحكمة. ولكن هذا ما لا تفعله الحكومات. لقد ايدنا، نحن بعض المغفلين، الغزو الأمريكي للعراق على امل ان تقوم أمريكا بترتيب أحوال البلاد. ولكنها ارتكبت جهالات وحماقات ادت الى عكس ما تمنيناه. هل يحق لنا ان نقاضيها في المحاكم ونطالبها بالتعويض؟ طبعا لا. امريكا تتصرف تصرف المصون وغير المسؤول.

ينطبق ذلك على الانتخابات. نعطي اصواتنا لحزب معين حسب الوعود التي صرح بها. ثم يفوز بالانتخابات ولا يطبق وعوده. أفلا يجوز لنا سحب أصواتنا منه وإسقاطه من الحكم؟ ايضا لا.

أقول نفس الشيء بالنسبة للمنظمات السياسية. لقد تعهدت مثلا منظمة التحرير الفلسطينية وغيرها من المنظمات الفلسطينية بمواصلة الكفاح المسلح حتى تحرير كامل التراب الفلسطيني. وعلى هذا الاعتبار أيدناها وتبرعنا لها. حقا انها واصلت الكفاح المسلح، ولكن ضد إخوانها الآخرين. ألا يحق لنا مطالبتها بإعادة ما تبرعناه لها؟ بالطبع إنني لم أكن من عشاق الكفاح المسلح ولا من المؤمنين بإمكانية تحرير كامل التراب الفلسطيني. ولكن هذا لا يفقد حقي في مطالبتها بكشف الحساب وأين ذهبت الدراهم القليلة التي جدت بها.

يقال نفس الشيء بالنسبة لسائر الأحزاب والجمعيات. أعتقد ان هناك ضرورة لتعيين كاتب عدل دولي يقوم بتسجيل وعود الحكومات والمنظمات وتدوين برامجها ودساتيرها التي تطرحها على الجمهور مع حق مقاضاتها في المحاكم عن أي اخلال بها. الشركات تقوم بذلك فلماذا تشذ الأحزاب والحكومات عنها؟ الأعجب في الأمر ان الحكومة تستطيع ان تقاضيني وتجبرني على إنجاز أي شيء تعهدت به اليها ولكنني غير قادر قط على مقاضاة وزرائها عما يدلون به ويعدون به. يتزوج شاب بابنة الباشا المدير على امل ان يعطيه وظيفة جيدة في مؤسسته تفسح له ابواب الرشوات السخية. ثم لا يحقق ذلك. الا يجوز للشاب ان يعيد العروس لأبيها ويطالبه بالمهر؟