حرب العراق: قصة فجوة بين رئيس وشعب

TT

يبدو أن عدد المرات التي ألقى فيها الرئيس بوش ونائبه تشيني خطبا حول العراق، مستخدميَن صور جنود مبتسمين كخلفية لهما، لا متناهية. وقد تعتقد أن رد فعل الإدارة الأميركية كان سريعا لاستثمار صور الجنود كدعم لها، سواء كان ذلك من خلال الإعلان عن «تحقق المهمة» من فوق سفينة تابعة للقوة البحرية، لإسكات المنتقدين عن طريق ترديد القول إن ما يقولونه يهدد حياة الجنود أثناء انشغالهم في القتال، كذلك كانت سريعة في عدم تغطية الإنفاق الضروري للعناية بأولئك المصابين في القتال.

يمكن القول إن ظروف العيش التي يمر بها بعض أولئك المصابين في مستشفى والتر ريد وغيره، مروعة لكنها لا تثير الاستغراب. إنها واحدة من الدلائل عما نجم من إرسال قوات غير كافية إلى العراق، وبؤس التخطيط لما بعد الحرب وغياب دروع مناسبة، في حرب كان مهما تنفيذها بطريقة صحيحة، لكنها تتطلب جهودا كبيرة، بينما ظن فريق بوش إنها مهمة، لكن النجاح فيها سهل حقا.

دعا بوش الوطن ليشهد يوم انتصار، وأعد الجيش ونظام الصحة العسكري، والصناعات الحربية والشعب الأميركي لغزو غرينادا.

من البداية، حاول بوش إقصاء حرب العراق «من الكتب» ماليا وعاطفيا. ومثلما قال لاري دايموند من معهد ستانفوردز هوفر لي: «أميركا ليست في حالة حرب. الجيش الأميركي وحده في حالة حرب». أما بقيتنا فنحن مجرد مشاهدين أو متجاهلين لها، بينما يستمر القتال على يد 150 ألف جندي وعوائلهم.

في المقابلة التي أجراها جيم لهرر مع بوش في 16 يناير (كانون الثاني) الماضي، سأله: إن كانت الحرب ضد الإرهاب مهمة جدا فلماذا هو لم يطلب من الأميركيين أن «يضحوا بشيء ما». لكن بوش أعطى أغرب إجابة يمكن توقعها فقال: «أنت تعرف، أنا أفكر كثيرا بالناس في هذا القتال. أي أنهم يضحون براحة البال حينما يرون صور عنف رهيبة على التلفزيون كل يوم».

التضحية براحة البال عند مشاهد التلفزيون؟ أي حماقة هذه التي يقولها؟ القيادة هي حول تمكين وإلهام الشعب كي يساهم في أوقات الحرب بحيث يحاربنا العدو جميعا، لا أن يعزل الجمهور كي لا يتمكن من رؤية العدو الذي يجب أن يحاربه عدد قليل منا فقط.

إذا أردت أن تقارن بوش في هذا المجال مع الرئيس روزفلت أو ويلسون فخذ نسخة من كتاب روبرت هورماتس الذي سيصدر قريبا: «ثمن الحرية: الدفع لحروب أميركا».

يقول المؤلف هورماتس: «في كل حرب كبيرة خضناها، باستثناء حرب فيتنام، كانت هناك جهود تسبق الحرب أو بعد البدء بها لإعادة السياسات المتعلقة بالضرائب والإنفاق. ولتحويل المصادر من الأمور الأقل أهمية إلى الهدف الاستراتيجي المركزي المتمثل في القتال وتحقيق النصر». واقتبس هورماتس مما قاله روزفلت في خطاب الأمة الذي ألقاه عام 1942 جاء فيه: « تكلف الحرب أموالا. وهذا يعني مزيدا من الضرائب والسندات المالية. وهذا يعني تقليص النفقات على الكماليات وما هو غير ضروري. وبكلمة واحدة، هذا يعني أنها حرب شاملة يقوم بها الفرد عبر مساعيه ومساعي العائلة ضمن بلد موحد».

هل سمعنا يوما بوش يتكلم بهذه الطريقة؟ بعد هجوم اليابانيين على قاعدة بيرل هاربور، أقسم روزفلت بتجنيد كل الصناعة الأميركية لإنتاج أسلحة كافية بحيث يكون عندنا «تفوق قاصم» في الأسلحة على الأعداء، حسبما ذكر هورماتس في كتابه. بالمقابل لم تقم الإدارة الحالية حتى بعد أربع سنوات من الحرب في العراق بتزويد كل جنودنا بما يحتاجونه من دروع.

ومثلما أكد الجنرال المتقاعد بول ايتون في السنة الماضية فإنه بسبب الإنفاق في العراق أصبح الجيش الأميركي يعاني من عجز مالي قدره 530 مليون دولار للمواقع، وهذا ما أدى إلى تقليص الإنفاق على المرافق التي يحتاجها الجيش. ولو طلب من الأميركيين أن يدفعوا جزءا إضافيا صغيرا من الضرائب لملء الفراغ لقاموا بذلك بحماس، بل كانوا سيدفعون «ضريبة الوطنية» التي تساوي 50 سنتا لجمع الأموال اللازمة وتقليص اعتمادنا على النفط. لكن لم يسألهم أي شخص أكثر ولم يطلب منهم سوى «التضحية براحة البال».

يمكننا أن نتقبل بكل الأخطاء التي وقعت في حرب العراق، لكن علينا أن نمنح أولئك الذين تحملوا عبء هذه الحرب عناية من الدرجة الأولى.

* خدمة «نيويورك تايمز»