قوة أميركا التي لا تعرفونها

TT

عندما يفكر الناس في القوة الأميركية في العالم، فإنهم يذكرون عادة الطائرات القاذفة وناقلات الطائرات والقوات في هذا البلد أو ذاك. غير أن مصادر القوة الاستراتيجية الأعظم لأميركا في الوقت الحالي قد لا تتمثل في أسلحتها، وإنما في جامعاتها.

ويعتبر التعليم العالي آخر مجال تهيمن فيه الولايات المتحدة على العالم. ونحن نكتشف حدود القوة العسكرية في العراق، وضغوط المنافسة الاقتصادية من الصين والهند، وتعرض أسواقنا المالية إلى تغيرات مفاجئة في الخارج. ولكن في هذا العالم المعولم تبقى الجامعات الأميركية المعيار الذهبي. وبفضل رؤساء الجامعات الصارمين فإنها توسع دورها الطليعي.

وجامعات أميركا الكبيرة أصبحت، في الواقع، عالمية. إنها أسماء تدل على الامتياز، حيث تجتذب أذكى الطلاب وتمنحهم فرصا لا تضاهى. وهذه هي الأماكن التي يوفر لنا فيها الانفتاح والتنوع في الحياة الأميركية امتيازا هائلا مقابل الثقافات الأكثر صرامة وتجانسا. فنحن نمنح الناس الحرية في التفكير والخلق، وتحقيق الازدهار عبر ذلك، بطرق لا يمكن أن يضاهيها بلد آخر.

وقد تكون «قوة التعليم» هذه أفضل أمل بعيد المدى لمعالجة مشاكل أميركا في الخارج. وتشير استطلاعات الرأي العالمية إلى انه بعد عقبة العراق فان بقية العالم يرتاب في أميركا وقيمها. ولكن هناك استثناء واحدا مذهلا لنزعة مناهضة أميركا هذه، وذلك هو التعليم. فالجامعات والكليات والمدارس ذات الأسلوب الأميركي تنتشر في كل أنحاء العالم.

وبدأت أفكر بالتعليم الأميركي خلال زيارة إلى كلية جون كنيدي للدراسات الحكومية في هارفارد، حيث استمعت إلى اثنين من الباحثين البارزين، وكلاهما إيراني المولد، وهما ولي ناصر، وراي تاكيه، وهما يحاولان أن يوضحا ما الذي يجري في طهران. هذا وقد ظلت كلية كنيدي نفسها منذ تأسيسها عام 1978 مصدرا من مصادر العالم. وكان الأمين العام الجديد للأمم المتحدة، بان كي مون، طالبا هنا في سنوات الثمانينات، وعندما وصل أعلن أن اسمه المستعار هو JFK وكان يعني به «من كوريا فقط».

ويقول غراهام أليسون، مؤسس الكلية «لا أستطيع أن أذهب إلى أي بلد ولا أجد بعضا من خريجي كلية كنيدي في الحكومة». وفي السنة الدراسية الحالية يوجد في هارفارد 3821 طالبا أجنبيا من 131 بلدا في كلياتها المختلفة، بينهم 403 من الصين، و269 من كوريا الجنوبية، و193 من الهند. وتتبع الجامعات الكبيرة الأخرى في أميركا رؤية مماثلة للنزعة الأممية. وقد زاد ريك ليفن، رئيس جامعة ييل، نسبة الدارسين الأجانب إلى ما يفوق الثلاثة أمثال منذ أن تولى منصبه عام 1993، وأسس برنامج تبادل ثقافي واسع مع اكبر جامعة في الصين. كما إن ليفن طلب من الكليات المتخصصة في ييل أن تعد برامج خاصة تساعد، على سبيل المثال، المسؤولين اليابانيين على دراسة الاتجاهات الديموغرافية، وتوجيه مسؤولين من الإمارات العربية المتحدة في الإدارة، وتعريف المسؤولين الصينيين بحكم القانون. وبحلول عام 2008 يريد من كل خريج متقدم من ييل أن يقضي بعض الوقت في الخارج في إطار برنامج مقر من الجامعة.

ويقول ليفن «إذا أردنا أن نفعل شيئا واحدا لتغيير الاتجاه السياسي لأميركا، فإن ذلك سيكون عبر خلق زعماء يتمتعون باستيعاب حقيقي لكون أن لدينا كوكبا مستقلا».

واعتمدت جامعة كولومبيا على جهدها الخاص في خلق جامعة عالمية فعلا. ففيها الآن 4634 طالبا أجنبيا، بما يشكل 18.6 في المائة من مجموع الدارسين فيها، وهو ثاني اكبر عدد في البلاد بعد جامعة ساوذرن كاليفورنيا. ويعد لي بولنغر، رئيس جامعة كولومبيا، مسودة خطة جديدة من اجل إقامة مراكز أبحاث في الأردن وتنزانيا والهند والصين وفرنسا وأميركا اللاتينية. وسيعمل أول مركز من مراكز كولومبيا، في الأردن، مع الحكومة الأردنية على إصلاح النظام التعليمي في البلاد، وتأسيس ما يمكن أن يكون نموذجا للعالم الإسلامي.

ويقول بولنغر إنها فرصة ذات اتجاهين، مضيفا أن «كل إنسان يدرك أنه ليست لدينا خبرة كافية بشأن العالم. ونحن، في الوقت نفسه، وفي الواقع، النور المشع في التعليم العالي» بنظام يشجع الإبداع والتفكير الحر.

وما يقلق رؤساء الجامعات هؤلاء انه في وقت يتوق فيه أذكى الناس في العالم إلى التعليم الأميركي، تجعل ضوابط الهجرة في الولايات المتحدة من الصعب جدا عليهم أن يأتوا إلى هنا.

ويتباهى جنرالات البنتاغون، على الدوام، بـ«قنابلهم الذكية، التي لا تصيب هدفها في بعض الأحيان. أما التعليم الأميركي فقنبلة ذكية تصيب هدفها بدقة. وعندما نفكر بجهودنا في التوجه إلى العالم عبر رؤساء الجامعات هؤلاء وعشرات غيرهم، يجب علينا أن ندرك أنهم مصادر أمن قومي، يجعلون العالم أكثر أمنا وكذلك أكثر حكمة.

* خدمة مجموعة كتاب «واشنطن بوست» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط».