إنها محاولاتنا الأولى!

TT

كان صديقي العالم الأثري كمال الملاخ يتخيل أو يتمنى أنه سوف يؤلف كتبا كثيرة. فإذا سألته: وماذا تكتب الآن.. أخرج من جيبه ورقة بها عناوين كتب لم يفكر فيها بعد ولكنه سوف يفكر، فعندما أصبحت رئيسا لمجلس إدارة دار المعارف المصرية.. كان أول المهنئين كمال الملاخ. وبعد السلام والكلام وشرب القهوة، ألقى إلي بورقة استخرجها من جيبه.. وفيها عشرون عنوانا لكتب سوف يؤلفها. بعضها وحده وبعضها معا ـ نحن الاثنين معا ـ ولم يخبرني بذلك من قبل، وإنما هو قرر أن يكتب وقرر أن نكتب معا. وهذا يكفي؟!

وذهب الأستاذ الملاخ إلى مرحلة متقدمة يطلب مني أن اتفق معه على هذه الكتب، وأدفع جزءا من مستحقاته عنها ـ مع أنها لم تكتب. ولكن ما دام قد تخيل. إذن فهي الحقيقة. وما دامت حقيقة فهو يريدني أن أدفع له جزءا من مستحقاته؟! وكان وضعي حساسا جدا. فهو صديق وهو عزيز جدا. والكتب التي تقدم بها لم يكتب منها سوى العناوين. فكيف اتفق معه، وكيف أعطيه جانبا من مستحقاته. وصداقتي بكمال الملاخ قديمة وهو شديد الحساسية سريع الغضب.

وحاولت أن أقنعه بأنني لم أجرب الكتابة مع أحد. ولا أعرف كيف يمكن أن يكون ذلك. فطه حسين عندما أشرف على كتاب ضخم عن المسرح الأمريكي، طلب من كل واحد منا أن يكتب فصلا.. يكتبه حرا مستقلا، وإن كان يجمعها كتاب ويقدمها واحد هو طه حسين. ولكن لم نشترك معا لا في التأليف ولا في الترجمة.. وكان الأستاذ الملاخ قد استعد لهذه المناقشة بفرض صفحات يكتبها هو.. وصفحات يقترح أن أكتبها أنا. ولم يسأل نفسه: ماذا لو رفضت هذه التجربة الغريبة، والتي لا مبرر لها ما دام كل منا يستطيع أن يكتب وحده..

ومنذ أيام كنت أقلب في أوراقي القديمة. وجدت فصلا ترجمته من كتاب «الخلاصة في علم الجمال» للكاتب الفرنسي لالو.. هذا الكتاب ترجمه الصديقان السوريان بديع الكسم وسامي الدروبي.. ووجدت فصلا آخر ترجمته من دائرة المعارف البريطانية عن فلسفة «الطاهريات».. للفيلسوف الألماني هوسرك.. وهذا الفصل الذي كتبه خصيصا لدائرة المعارف البريطانية، يعتبره المؤرخون من أجمل ما كتب! ثم فصل أو مشروع فصل لكمال الملاخ عن السيدة أم كلثوم.. وأدهشني ذلك فهو ليس مشهورا بتذوقه للغناء، ولأم كلثوم بصفة خاصة.. وعنوان فصل يقارن بين صوت أم كلثوم وصوت ايما سوماك ـ وكتب في الهامش: تكتبه أنت!

وتساءلت: ولم لا.. أي ولماذا لا تنشر محاولاتنا في الأدب والتاريخ والفلسفة. إنها صورة من طموحاتنا وأحلامنا وأوهامنا..

قال لي أحد الناشرين، إنه مستعد أن ينشر كل هذه المحاولات تحت عنوان «خطواتهم الأولى ليكون كتابا»! لا بأس!