من أجل جراتسيا!

TT

لأول مرة في حياتي اذهب في طائرة لأشاهد المباراة النهائية في كأس العالم. فكرة لا بأس بها: استأجرنا طائرة صغيرة. ولم أشعر بأية غرابة وإنما أحسست كأنني انتقلت من مصر إلى مصر، فإيطاليا بالنسبة لي وطن ثان.. الناس واللغة والأدب والفلسفة.. وأكثر من ثلاثين مرة أتوقف في ايطاليا ذهابا وإيابا من أمريكا إلى أوروبا إلى مصر..

والمباراة سوف تجري في مدينة كالياري عاصمة جزيرة سردينيا.. وكانت مملكة يوما ما.. وأهلها خليط من الإيطاليين واليونانيين والفينيقيين. سألوني: ماذا تريد؟ قلت: هنا لا احتاج إلى أي أحد أو أي شيء فأنا أعرف طريقي.. إلى المكتبات والمطاعم والى المدينة الصغيرة التي اسمها (نورو) التي ولدت فيها الأديبة الإيطالية (جراتسيا دليدا) التي حصلت على جائزة نوبل في الأدب سنة 1928. وهي مثل أستاذنا العقاد وصديقي الأديب الإيطالي البرتو مورافيا لم تكمل تعليمها. وتقول عن نفسها: تعلمت الإيطالية والفرنسية في السرير ـ الإيطالية لأنها تتكلم لغة سردينيا.

وكما حدث ذهبت إلى روسيا أول مرة توقفت عند كل الناس. فأنا اعرفهم في قصص تولستوي وجوجول وجوركي وبوشكين بملابسهم الغليظة وأحذيتهم الضخمة وما يضعونه على رؤوسهم.. وكذلك الناس في سردينيا يركبون الحمار أو البغل أو الحصان.. الرجل ومن ورائه زوجته وابنته.. صورة تاريخية.. وفي إحدى روايات جراتسيا دليدا تقول: إن الناس هنا لا يكرهون قاطع طريق ولا المافيا. إنه يحظى باحترام عظيم. فلم تعد هناك حروب، ولذلك فالناس يفتعلون المعارك والبطولات. فإذا دخلوا السجن فهي مغامرة، وإذا خرجوا من السجن فهي بطولة!

وعندما ذهبت إلى المدرجات لمشاهدة المباراة.. لم يلفت نظري إلا جميلات ايطاليا.. كلهن جميلات. أراهن كذلك.. وعندما انهمك الناس في المشاهدة وتعالت الصرخات هنا وهناك كنت في طريقي إلى مدينة (نورو) وعلى ظهر حصان أشبه بالحمار الذي كان يحتفظ به توفيق الحكيم في حديقة المجلس الأعلى للفنون وحمار الأديب الاسباني جاثنتو.. هادئ نائم على روحه. يعرف الطريق.. أي طريق. المهم انه يمشي هادئا وأنا كذلك. ومن حين إلى حين اقلب في ورقة لأتأكد من الشارع الذي كانت تسكنه الأديبة العظيمة. تمنيت أن أرى في بيتها صورة إحدى قريباتها التي كانت تعمل سكرتيرة لها.. جميلة جدا.. وأحسست أنني كسبت المباراة.. أنا وليس بريطانيا.. فكل واحد له ما يسعده وما يمتعه ـ كرة القدم لا تهمني.. طلعت نزلت استقرت في الشبكة أو في المدرجات.. ولكن عبارة واحدة لأديبة عظيمة تهزني وتستدرجني إلى زيارتها مرة أخرى!