ماذا بعد مؤتمر بغداد؟

TT

هناك رأي غالب بأن مؤتمر بغداد قد حقق نجاحا للحكومة وجهودها وجهود من يسندها من القوى الدولية، من أجل إقرار الأمن والاستقرار في العراق، عبر وضع الدول المجاورة أمام مسؤولياتها لتبدأ بتحملها، وأن يتم التعاطي مع العراق بروحٍ جديدة ورؤيةٍ تخرج من الاطار النمطي الذي أصبح أسيراً لأفراد ومجموعات تحريضية، تنقل صورة غير واقعية، وفي أغلب الأحيان مشوّهة عن الواقع في العراق، ولم تقدم رؤية ومشروعاً للإنقاذ والإصلاح، بقدر ما كانت تنقل أفكاراً استعدائية. وقد نجحت لحد ما بأن تشوش على رؤية مسؤولين كبار في دول الجوار، بحيث أصبحوا يصدقون وثائق ساذجة في التزوير عن وضع كاذب لمسؤولين عراقيين.

قدوم مسؤولين من دول الجوار الى العراق، وفي ذهنهم قد يتعرضون لمكروه لا سمح الله، يمثل قبولا ببداية تختلف عمّا سبق، لقناعات تختلف من دولة لأخرى؛ فالبعض أيقن أنه لن يستطيع إيقاف القطار الذي تحرك، بل قد يبطئ من سرعته، والبعض يريد ان يُغرق الخصم البعيد في مستنقع يشغله عن التفكير ويشله عن الفعل، والبعض يتفرج على المشهد، لكننا نأخذ الجميع بمحمل حسن من الرغبة بعمل يتشارك فيه الجميع، من أجل مصلحة شعوب هذه الدول، ونثمن ونقدر عالياً هذه الخطوة الشجاعة منهم.

إذن ماذا بعد مؤتمر بغداد؟

ما بعده سيكون مسؤولية للحفاظ على هذا الزخم الذي بدأ. ولا شك أن الجهد الاكبر يقع على عاتق العراقيين لتفكيك حلقات هذه الأزمة، عبر جهدٍ يتكامل بين قواه السياسية والحكومة، أول هذا الجهد هو الانفتاح على دول الجوار عبر جهد متواصل من المتابعة والتنسيق والانفتاح والصراحة عن كل ما يقلق الطرفين. ولا شك أن جزءا من القلق مشروع، والجزء الآخر أوهام كبرت وأصبحت مثل كرة الثلج، نتيجة بعض الرسائل وحتى الافعال التي تصدر من الداخل العراقي.

مع الأسف لم تتوفر قنوات كافية ايضا لباقي العراقيين، كي يبينوا ويدافعوا ويقدموا رؤيتهم، حتى تكتمل الصورة بأجزائها ومكوناتها المختلفة.

الأمر الآخر، هو ان بعض دول الإقليم ترعى وجوداً واجتماعات لبعض المجموعات المترددة او المعاندة مع العملية السياسية الجارية في العراق، بل يتعدى الامر لأكثر من الاجتماعات أحيانا، وهذا يجعل هذه المجموعات لا تساهم في الانتظام بجهد النهوض السياسي، الذي يتعذر نجاحه ويتعثر دون انخراط الجميع.

تحتاج هذه الدول أن تتفهم ان هناك حكومة منتخبة وشرعية والحديث عن العراق يتم عبرها وعن طريقها، وهذا لا يمنع التواصل والحديث مع القوى السياسية الأخرى، بل قد يكون مستحباً اذا تم توجيهه وترشيده ليكون منتظما، وليس ناشزاً عن الجهد السياسي العام.

قد يكون أيضاً تعريف العلاقة مع ايران يشكل محورا أساسيا في التجاذب مع دول الاقليم، ولا بد ان تنطلق نظرة ورؤية محورية بأن عراقاً ينتظم بمحيطه العربي والإقليمي، بتواصل مبني على مصالح لكل الاطراف، وليس محاور أو تحالفات عدائية، هو الاساس للتعامل وهو القاعدة، وما عداه استثناء غير قابل للحياة لمدى طويل، لأنه يستنزف جهود وثروات المنطقة، وان التعامل الايديولوجي مع مكونات المنطقة لن يزيد الأمر إلا خسراناً للجميع، وان الاقتصاد وما يتفرع منه من استثمارات ومشاريع مشتركة هو الأبقى وهو الأقوى وهو الأنفع.

تعريف العلاقة مع ايران يجب ان يخرج من النظرة الاتهامية التي تحكم الموقف الرسمي، وان تعين العراقيين في التقرب أكثر من النسيج العربي الذي ينتمون اليه، لئلا يكون الجنوح نحو الطرف الشرقي هو البديل، وهو الصوت المرتفع والابتعاد عن الحكم على الولاءات التي أصبحت من تراث الماضي في المعايير، والعراق أحرص ما يكون على نزع فتيل الأزمة بين الجارة العزيزة إيران والولايات المتحدة، لأنه أول من يكتوي بنارٍ يريد الكثيرون منعها.

هناك فرصة لأن يكون الموضوع العراقي ليس موضع خصومة فقط مثلما هو حاصل حالياً، بل أن يكون موضع اتفاق ولقاء بين مشتركات بين الخصوم، مثلما اتضح من اللقاءات الجانبية والأحاديث المباشرة بين الوفد الإيراني والأمريكي، وان كان مقتضباً، وتركز على التفاهم على موضوعة «أين يُعقد المؤتمر القادم»، هذه الموضوعة وإن كنت من دعاة أن لا نستغرق في التفاؤل بشأنها، لكن وفي نفس الوقت، لا يمكن التهوين من أهميتها وقابلية تطويرها واستثمارها لمصلحتنا في العراق، وحتى نقاط الخلاف فيما بين هاتين الدولتين، فإنها مدعاة للحديث واللقاء لتجنب الاصطدام، وهذا بالتأكيد مسعى عراقي يتطلع العراق للعب دور فيه.

الجهد الآخر المطلوب هو جهد داخلي لإطفاء قلق دول الاقليم من ان هناك تهميشاً وإقصاء لبعض المكونات، عبر حزمة من الاجراءات الدستورية وتعديلاتها. وهذه أيضا قضية محكومة بآليات دستورية تحتاج الى تفهم وتقييم على ضوء مصلحة الجميع، وأيضا توزيع عادل للثروة بين العراقيين. لا بد من قراءة ما تقوم به الحكومة من جهود في ضوء واقع حرج محكوم بتجاذباتٍ شديدة، ومطلوب جهد إقليمي لتحقيقه، لكي تتحرر الحكومة من بعضه، ولكي تكون خفيفة الحركة في معالجتها للأزمات.

* الناطق الرسمي

للحكومة العراقية