إيران.. الحركة النسائية ورحلة الألف ميل

TT

إذا ما سألتم ما هي القضية السياسية الأهم في إيران، فان جوابي سيكون: إنها قضية النساء.

ذلك لأن قضية النساء أصبحت معقدة على نحو متزايد، لأنها مرتبطة بقضايا أخرى مثل القضايا الدينية والسياسية.

ويتألف نصف سكان إيران من النساء، فيما أولئك الموجودون في النصف الآخر، والذين يديرون وفقا للقانون عوائلهم، ما زالوا مرتبطين بقضية النساء.

وخلال السنوات القليلة الماضية تزايدت مطالب النساء بشكل كبير في الميادين العامة. وفضلا عن ذلك يجري الإصغاء، في الوقت الحاضر، إلى مطالبهن في الميادين الخاصة.

وفي الوقت الحالي ظهرت حركات مختلفة من اجل تحسين أوضاع النساء في إيران. وهذه الحركات تأسست على يد نساء من اجل النساء. ومصادر هذه الحركات هي المنظمات غير الحكومية وليس الأحزاب السياسية أو الحكومية، فقد أسسن مثل هذه الحركات من أجل تحقيق بعض الأهداف مثل إلغاء الرجم، ودعم السلام ومعارضة الحرب، وتدعو منظمات أخرى إلى المساواة من أجل تجنب التمييز، كما توجد حركات تقدم تفسيرات جديدة للإسلام، وأخرى تعمل على توعية الناس بوسائل مثل نشر الكتب وإصدار المجلات وتشغيل مواقع على الانترنت.

وإحدى هذه الحركات هي حملة المليون توقيع. وهدف هذه الحملة تغيير قوانين التمييز ضد النساء. وتعتقد هذه الحركة أن قوانين مثل تحديد عمر الزواج والحاجة إلى موافقة الأب على الزواج وغياب بعض حقوق النساء بعد الزواج، والطلاق، والرعاية الطبيعية للأطفال، وعمر المسؤولية الجنائية، والجنسية، والدية، والميراث، والشهادة وما إلى ذلك، هي قوانين لا تخلو من تمييز ضد النساء. ولذلك فان مطلبهن يتجه إلى تغيير مثل هذه القوانين وتحقيق المساواة بين الجنسين.

أما بداية هذه الحملة فقد كانت رسميا في سبتمبر 2006، وأطلق عليها «حملة المليون توقيع»، ومعها بدأت الحملة أنشطتها الهادفة إلى تبديل قوانين التمييز المجحفة.

وتؤمن الحملة بالتنوير ولذلك بدأت أنشطتها بطرح مناقشات وجها لوجه وخلق علاقات مع الناس ومع مجموعات مختلفة من النساء، وحصلت على مساعدات من متطوعين متعلمين.

وهذه الحركة تهدف إلى قيادة الناس وتطالب بالتغيير ولا تعرف أي حدود أو قيود فهي تتحرك في البيوت والمطاعم والشوارع والمدارس.

وقناعة هذه الحركة أنها لا تتصادم مع الإسلام قط بل إن هدفها تقديم تفسير جديد للإسلام الذي يدعم ويؤمن بحقوق النساء.

وبعد جمع مليون توقيع ستتحرك هذه الحملة إلى المرحلة التالية، وهي وضع الأسبقيات التي منحت للموقعين موضع الاعتبار ثم تقديم الأسبقيات إلى المنظمات المعنية.

ولنا أن نشير هنا الى حركات مماثلة ناجحة في كل أنحاء العالم مثلما نشير إلى أن الحركات الاجتماعية ظلت تعتمد على ثقافة تدشين وشن الحملات على النحو الجاري في بلدان أخرى خلال العقود السابقة، والثابت أن هذه الحملات أعطت نتائج إيجابية كبيرة. ومن هنا يمكن القول إن هذه الحركات لم تتأسس فقط في الدول الغربية، إذ يمكن تأسيسها في العالم الثالث والبلدان الإسلامية أيضا.

فكرة حملة جمع التوقيعات مأخوذة من النساء المغربيات، فقد نجحن في إصلاح القوانين من خلال الحملات. كما أن الهند وتونس وتركيا قدمت أمثلة لحركات أخرى ناجحة في هذا المجال.

وفي الآونة الأخيرة نجحت الحركات النسائية البحرينية في فرض بعض التغييرات على قانون الجنسية.

في المقابل لا بد من إشارة إلى بعض المشاكل التي ستعترض أداء هذه الحملة. وهنا لا بد من اعتراف بأن

المشاكل والعقبات التالية، مع الحالة الإيرانية، يمكن أن تقف في طريق الحملة. وعلى سبيل المثال أذكر منها حقيقة أن السلطات ستشتبك في الغالب وتسبب مشاكل للمشاركات في الحملة، وتلجأ إلى توقيفهن بغرض الحد من النشاط.

ولكن العمل الجماعي في أساسه أمر صعب التنفيذ، خصوصا عندما يكون حول قضية حساسة مثل قضايا المرأة، وعندما تتألف المجموعة من نساء لهن طرق تفكير مختلفة، ومجموعات دينية مختلفة، أو علمانيات.

وأخيرا: ثمة سؤال ظل مطروحا باستمرار وهو: هل من الممكن إصلاح القوانين ذات الصلة بوضع النساء، مع الأخذ في الاعتبار أن مجلس أمناء الدستور جعل من الاستحالة بمكان تغيير أي قوانين؟

من جانبي أرى أنه يمكن وصف هذه الحملة بالنجاح حتى إذا فشلت في الوصول إلى أهدافها، إذ أنها اجتذبت عدة مجموعات من النساء من مختلف طبقات المجتمع، ومن انتماءات سياسية وفكرية مختلفة. إضافة إلى أن هذه الحملة تعتبر تجربة نفذتها النساء دون أي مساعدة من الرجال، وإضافة أيضا إلى أن هذه الحملة منحت النساء وعيا وساعدتهن في تبادل الخبرات والأفكار مع بعضهن البعض، وهناك الدخول الفعلي والعملي للحملة الى البيوت بهدوء، وهذا في حد ذاته أمر سيقود إلى التغيير عاجلا أو آجلا.

* صحافية وكاتبة إيرانية