يرحم الله هذا وذاك!

TT

في الأسبوع الماضي، ذهبت أقدم واجب العزاء. ولم يكن عدد الناس كثيرا. ربما كان السبب أنني جئت مبكرا قبل صلاة المغرب. وبعد الصلاة تقاطر الناس بالأجساد. وحاولت أن أطيب خاطر الجالس إلى جواري.. فقلت له: إن العلماء ليست لهم شعبية.. فلا تتوقع أن يجيء كثيرون. وهذا هو الفارق بين المطرب والعالم والأديبة والراقصة..

وقلت له: إن الأديب مصطفى المنفلوطي توفيَّ يوم إطلاق الرصاص على سعد زغلول باشا، فامتلأت الشوارع بالمظاهرات. وخلت جنازة المنفلوطي من المشيِّعين. وفي ذلك، قال شوقي أمير الشعراء:

* اخترت يوم الهول يوم وداع - ونعاك في عصف الرياح الناعي

* من مات في فزع القيامة لم يجد - قدما تشيع أو حفاوة ساعي

* والعالم المصري الكبير د. حسن عثمان الذي ترجم «الكوميديا الإلهية» للشاعر الإيطالي، مات يوم وفاة طه حسين، فلم يمشِ في جنازته أحد. والأديب البريطاني هكسلي مات يوم اغتيال الرئيس كنيدي، فلم نعرف أنه مات إلا بعد ذلك بسنة.. وجنازة الموسيقار محمد عبد الوهاب كانت متواضعة وكذلك الصحفي الكبير الذي هز دنيا الصحافة، مصطفى أمين، كانت جنازته بالعشرات.. ويوم مات الصحفي اللامع أحمد الألفي عطية، توفي الصحفي والشاعر كامل الشناوي، فتحولت كل القلوب والأقدام وراء كامل الشناوي..

وجنازة عبد الحليم حافظ كانت محيطا من الناس والدموع. وكذلك جنازة أم كلثوم وعبد الناصر. أما جنازة الرئيس السادات، فكانت أقل كثيرا، لأن القتلة هددوا بقتل كل من يمشي في الجنازة. كما أن الدولة خافت على زعماء العالم الذين يسيرون في الجنازة.. والشاعر الكبير محمود شكري، كان قد اختفى عشر سنوات حتى ظن الناس انه انتحر فعلا.. واكتشفت وجوده بالصدفة وبعدها بأيام مات.. فكأنني جعلت موته علنا. ولم نجد أحدا يمشي في جنازته حتى توهم بعض الناس أن النعش يمشي وحده ـ أو كأنه هو وحده الذي يمشي في جنازته؟!

ومضيت أهون على جاري، وأنه يجب ألا يحزن. فهذا مصير العلماء في الدنيا. ولحسن حظ العلماء أنهم لا يرون من جاء ومن لم يجئ للعزاء أو للسير في الجنازة. وكان أستاذنا العقاد إذا مات له أحد لا ينشر له نعيا. والسبب هو انه لا يريد إكراه أحد على تقديم العزاء.. إذ كيف يعزيه فيمن لا يعرف!

ولا بد أن جاري، وهو من أهل الفقيد قد أراحه ما قلت.. ولما نهضت مودعا بالغ في شكري. وأعدت النظر حولي فلم أجد أحدا كثيرا. ومن عادتنا أن نكتب اسم المتوفى على لوحة بارزة حتى لا يخطئ أحد كما أخطأت. فالمتوفى الذي قصدت أن اذهب للعزاء فيه يقع على الجانب الآخر من المسجد..

وقرأت له الفاتحة في السيارة. وليست هذه أول مرة!