عن تجربة: مخاطر تقديم غصن الزيتون لإيران

TT

لم يعد التطرف الإسلامي خطرًا داهما للعالم الإسلامي فقط، بل أصبحت هذه الظاهرة المشؤومة مشهودة في سماء أوروبا أيضا.

وفي الوقت الذي يتسع فيه نطاق هذه المشكلة أكثر فأكثر، يبدو الحل بعيد المنال أكثر من أي وقت آخر، فيما لا ينبغي الاستنتاج بأن حرب الحضارات قادمة ولا مناص منها، فهذه الحرب يمكن تجنبها، لكن هذه العملية تحتاج إلى أساليب عمل جريئة من قبل صناع القرار السياسي الأوروبيين، وادراج هذه الأساليب في جدول الأعمال وهو ما كان غائبًا ولم يأت ذكر منه منذ عقود متتالية.

ومن أجل التصدي لتصاعد العنف والتطرف، فإن أنظمة بوليسية وأساليب استخباراتية في أحسن الحالات ليست سوى أساليب عمل ومعالجات وقتية تتحول في أمد بعيد إلى حالة عكسية. وما نحن في أمس الحاجة اليه هو حلول اجتماعية ـ سياسية. وعلى ارض الواقع فإن أسلوب العمل الذي يمكن الاعتماد عليه هو دعم وتشجيع الديمقراطية والتسامح والتحضر في المجتمعات الإسلامية، باعتبارها نقيض العنف الديني فيها.

وهذه النتيجة لن تأتي من خلال مناقشات جامعية والجلوس في برج من العاج، بل من الواقع الصلب لإدارة بلد واجه هذه المشكلة وهو الذي علمني هذا الدرس، وبثمن باهظ جدًا.

في نهاية الثمانينات ومطلع التسعينات كانت الجزائر تواجه تحديًا جادًا من قبل المتطرفين الإسلاميين، الذين كانوا ينوون فرض طريقة تفكيرهم وطريقة حياتهم على الجزائر.

وكان من الواضح أن الاضطرابات والعنف ليسا حالة تلقائية وذاتية، بل كانت هناك مصادر من التحريض تعمل من الخارج. وبعد فترة من الزمن انتبهنا إلى أن أنامل طهران متورطة في تأزيم الموقف. وكانت هذه الحقيقة في اللمحة الأولى تثير الاستغراب لدينا، لأن الجزائر كانت مرتبطة بالنظام الإيراني بأحد أفضل العلاقات في العالم العربي آنذاك.

غير أن الواقع يقول ان ملالي طهران، استغلوا حسن ظن الجزائريين تجاههم لدفع ودعم التطرف الإسلامي وتصدير تفكيرهم العدواني، وكان استغلالهم الخبيث تحت غطاء الإسلام. وبات لزامًا عليّ، باعتباري رئيسًا للوزراء، أن اتخذ القرار الصعب وهو الخيار بين المصالح الاقتصادية الوقتية وبين مستقبل بلدي.

وأخيرًا قمت بقطع العلاقات مع النظام الإيراني للحيلولة دون صب مزيد من الزيت على نار العنف والتطرف في بلدي، وأن أمنع تدخلهم في شؤون الجزائر الداخلية.

والآن أرى أن أوروبا وصلت إلى نفس مفترق الطرق في مجابهتها وتصديها للتطرف الإسلامي.

ففي الوقت الذي تتجه فيه طهران صوب امتلاك السلاح النووي بوتيرة متسارعة، وتقف وراء التصعيد للعنف والهمجية في أرجاء العالم الإسلامي، بل في الساحة الأوروبية أيضا، فالوقت قد حان لاتخاذ سياسة جديدة حيال طهران، بعد أن كان الغرب وتحديدًا أوروبا، مغمورة في الأوهام الخاصة بالبحث عن «المعتدلين» داخل مؤسسة الحكم الديني في إيران.

وعندما كان الغرب يبحث عن استرضاء طهران ومسايرتها، باعوا المعارضة الإيرانية وعلى وجه التحديد منظمة مجاهدي خلق الإيرانية، وهي الحركة الرئيسة للمقاومة الإيرانية ومنظمة ديمقراطية مناهضة للتطرف وتؤمن بالإسلام المتحضر، باعوها للملالي.

ولسنين عديدة طالب الحكام في إيران تهميش المقاومة، مقابل تحبيب وتأليف قلوب الملالي، وفي خطوة مشينة ومخجلة أجاب الدبلوماسيون الأوروبيون طلب الملالي، بوضعهم منظمة مجاهدي خلق الإيرانية، على قائمة الإرهاب في عام 2002، لقاء تجارة رابحة مع الملالي. ولم يكن الأمر مستغربًا بأن يكون المتطرفون في طهران هم الجهة المستفيدة الأولى من هذه السياسة، وأما النتيجة الغائية التي تمخضت عنها، فهي الأزمة التي يواجهها الآن المجتمع الدولي.

وفي 12 كانون الأول/ ديسمبر 2006 الغت محكمة العدل الأوروبية في لوكسمبورغ قرار الاتحاد الأوروبي بتسمية منظمة مجاهدي خلق الإيرانية منظمة إرهابية. وخلال جلسة المحكمة التي حضرتها بنفسي لم يستطع محامي الاتحاد الأوروبي تقديم أية وثيقة أو مستند، حتى بصورة غير معلنة، تدل على علاقة تربط بين منظمة مجاهدي خلق الإيرانية وبين الإرهاب.

وفي المقابل، أكدت المحكمة في قرارها بأن منظمة مجاهدي خلق الإيرانية، كانت «تدعو إلى تغيير نظام الشاه وثم نظام الملالي بنظام ديمقراطي».

إن إصدار هذا القرار، وفر ظرفًا مثاليًا للاتحاد الأوروبي أن يبدأ ببداية جديدة حيال إيران، وأن يقف بجانب الحركة الديمقراطية الإسلامية.

غير انه وفي جو ساده الاستغراب وكاد لا يصدقه الكثير من المراقبين، امتنع المجلس الوزاري من تنفيذ قرار المحكمة، وراح يعلن في 30 يناير الماضي، بأنه سوف يبقي منظمة مجاهدي خلق في قائمة الأفراد والكيانات المتورطة في الأعمال الإرهابية، وأن «أموالها تبقى مجمدة» إلا إذا استطاعت المنظمة أن تقدم أدلة تقضي بضرورة خروجها من هذه القائمة. 

وهكذا صارت أوروبا تعرض مرة أخرى غصن الزيتون لملالي طهران، وبذلك ترسل أسوأ رسالة ممكنة إلى المتطرفين الإسلاميين ـ أي رسالة الضعف والاستسلام.

فمتى يحين الوقت للساسة الأوروبيين لينهوا أسر المصالح الاقتصادية قصيرة المدى؟

وأخيرا، فإذا ما كان للاتحاد الأوروبي أن يتجنب أزمة شاملة أخرى في الشرق الأوسط، فعليه أن يمنع المتطرفين الإسلاميين من بث رسالة الحقد والكراهية. أما الخطوة الأولى في هذا المسار فهي رفع الأغلال والقيود المضروبة على أيدي وأرجل منظمة مجاهدي خلق الإيرانية، كي تستطيع أن تقوم بدورها القيادي للإيرانيين المحبين للحرية.

 * رئيس وزراء الجزائر الأسبق