بانتظار كلينتون

TT

القمة العربية تتهيأ لإعادة طرح مبادرتها لسلام الشرق الأوسط.

وزيرة الخارجية الأميركية، كوندوليسا رايس، تبدي اهتماما شخصيا، ومستجدا، في تسوية النزاع الفلسطيني – الإسرائيلي.

رئيس الحكومة الإسرائيلية، إيهود أولمرت، يعرب عن استعداده للنظر «بجدية» في مشروع تسوية متكامل... وبالمقابل، نائب الرئيس الأميركي، ديك تشيني، يحيي أول مؤتمر يعقده اللوبي الصهيوني النافذ (ايباك) في واشنطن بعد الحرب الإسرائيلية الأخيرة على لبنان، بكلمة لم يجد عنوانا لها أفضل من «الولايات المتحدة وإسرائيل: في الاتحاد القوة»

... القوة لمن؟

إذا كانت لإسرائيل فإن حرب الصيف كشفت أنها في أضعف حالاتها عسكريا وأدقها وسياسيا... ما يعني ازدياد التصاقها بالولايات المتحدة من دون الحاجة إلى التذكير بأن في الاتحاد قوة.

إذا كانت للإدارة الأميركية فإن استطلاعات الرأي تظهر بأنها تعيش على ما تبقى من الوقت المستعار من ولاية الجمهوريين بعد أن تبين للأميركيين أن حرب العراق كانت مغامرة غير محسوبة.

ربما كان المتوقع، وسط هذه الأجواء، أن تبدأ النخبة الأكاديمية الأميركية بالتساؤل: لماذا ديمقراطيتهم لا تزال أكثر التزاما بإسرائيل من كل ديمقراطيات الغرب؟

أحد الاجوبة قد يكمن في طبيعة الديمقراطية الأميركية التي تختزل لعبتها مؤسسة «اللوبيات» ـ و«ايباك» أبرز مثال عليها ـ فيما تصادر ضغوطها الممارسة الديمقراطية الصحيحة للناخب الأميركي.

ولكن أحد الأجوبة قد يكون تلك المفارقة التي تجعل أكثر شرائح المجتمع الأميركي ليبرالية، أي اليهود الأميركيين بالذات، حلفاء سياسيين لأكثر الطوائف المسيحية يمينية في الولايات المتحدة، أي الإنجيليين البيض.

ليس غريبا الحديث عن «ليبرالية» اليهود الأميركيين في مواقفهم من شؤون بلدهم الداخلية، سياسية كانت أم اجتماعية. واستطلاعات الرأي تظهر أن الأكثرية الساحقة من اليهود الأميركيين تتبنى مواقف هي أقرب الى «اليسار» (بمفهومه الأميركي طبعا) منها إلى «اليمين»... فعلى سبيل المثال يعتقد 77 في المائة من اليهود الأميركيين أن حرب العراق كانت «غلطة» ـ مقابل 52 في المائة من مجموع الأميركيين ـ فيما يقترع 87 في المائة منهم للحزب الديمقراطي، أي الحزب الذي قدم للعرب، في عهد الرئيس بيل كلينتون، أفضل تسوية «أميركية» لإزالة الاحتلال الإسرائيلي. ويتضح مدى التجاوب اليهودي مع ليبرالية الحزب الديمقراطي في كون 39 من أصل 43 عضوا يهوديا في مجلسي الكونغرس ينتمون إلى الحزب الديمقراطي مقابل 4 فقط إلى الحزب الجمهوري.

ولكن المشكلة اليوم تعود الى أن التيار الصهيوني الأميركي لم يعد يهوديا بقدر ما أصبح أنجيليا، فمنذ بروز «المحافظين الجدد» وتأييد إسرائيل، على مستوى الشارع، يستمد زخمه السياسي من تحالف اليمين المسيحي، المتمثل بالأنجيليين الأصوليين، واللوبي الصهيوني النافذ المتمثل بـ«ايباك» و«بني برث» وغيرها... والواقع أن اليمين الانجيلي المتشدد اثبت في السنوات القليلة الماضية انه أكثر تأييدا لإسرائيل من أي شريحة أميركية غير يهودية، علما بأن ثلث الأميركيين الذين يجاهرون بتأييدهم لإسرائيل يعترفون بأن الخلفية المحركة لموقفهم هي خلفية دينية.

وبدورهم لم يقصر نشطاء الحركات الدينية اليمينية في الولايات المتحدة في تجيير المشاعر الدينية إلى تيار سياسي مؤيد لإسرائيل. وإذا تذكرنا أن الإنجيليين يشكلون ربع عدد الناخبين الأميركيين، وأنهم في عهد الإدارة الجمهورية أصبحوا القاعدة الانتخابية الصلبة للرئيس بوش ومنظريه من «المحافظين الجدد»، تتضح الجدوى السياسية من توظيف الحرب على «الإرهاب» (الأصولي الإسلامي في مفهوم الإنجيليين الأميركيين) في خانة توثيق اللحمة بين صقور الجمهوريين ـ وديك تشيني ممثلهم ـ واللوبي الإسرائيلي في واشنطن.

هل يمكن، في ظل المناخ السياسي السائد في واشنطن حاليا، توقع تسوية للقضية الفلسطينية في عهد الإدارة الجمهورية فيما الخروج من «الحالة» العراقية لا تزال أولى أولوياتها الشرق أوسطية؟

المنطق السياسي العادي يفترض انتظار عودة الديمقراطيين إلى البيت الأبيض، وربما عودة هيلاري كلينتون بالذات...علّها تفي بما أعلنته عن رغبتها، في حال الفوز بالرئاسة، في تسليم زوجها، بيل كلينتون، ملف القضية الفلسطينية.