بقلم (ذو النون المصري)؟!

TT

سنوات طويلة كنت أوقع مقالاتي بإمضاءات نسائية: سيلفانا ماريللي وهالة أحمد ومنى جعفر وأحلام شريف، وكان السبب إنني أكتب في موضوعات نسائية. وخصوصا موضوعات الموضة التي انقلها عن المجلات الفرنسية والإيطالية.

ومرات قليلة كنت أوقع مقالاتي بإمضاء (ذو النون المصري).. ولا أعرف لماذا اخترت هذا الاسم، مع انه لا وجه للشبه بيننا. فهو رجل صوفي صاحب مجاهدات وحكايات وروايات، وانه صعيدي أو نوبي، وقد مات في القرن العاشر الميلادي، وكانت له كرامات لا يصدقها العقل.

وأطلقوا عليه اسم (ذو النون) أي صاحب الحوت أو التمساح.. فيقال إن أما شكت إليه أن ابنها ابتلعه التمساح فذهب الى النيل وقال له: يا نيل أخرج هذا التمساح، وخرج التمساح، فمد يده واستخرج الطفل حيا من بطن التمساح!

ولا وجه للشبه بيننا.. إلا اذا كانت الرحلات والتنقل بين كل البلاد العربية يعظ الناس ويظهر لهم كراماته.. ويقال إنه ولد في أقصى الصعيد ومات في مدينة الجيزة. ويقال إن الطيور الخضراء كانت تملأ السماء فوق نعشه.. ويقال إن جثمانه نقلوه في زورق في النيل لأن كثرة المشيعين قد تؤدي الى تحطيم الجسر على النيل!

وفي القرآن الكريم (ذو النون) آخر وهو أحد الأنبياء، وقد ابتلعه الحوت واخرجه الله سالما. والقرآن يقول: «وذا النون إذ خرج مغاضبا فظن أن لن نقدر عليه. فنادى في الظلمات أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين. فاستجبنا له ونجيناه من الغم وكذلك ننجي المؤمنين»..

ولا أنا مثل هذا النبي..

ولكن أحسست بأنني مثل ذي النون الذي ورد في القرآن، عندما قرأت الفيلسوف الفرنسي البير كامي، الذي شبه الإنسان في العصر الحديث بذي النون، الذي ابتلعه الحوت.. والحوت هو الناس.. الجماهير .. فالمفكر يجب الا يبتلعه الحوت.. وان ينظر إليه ويتأمله ولا يقترب منه حتى يبتلعه. فإذا ابتلعه فلا توجد معجزة لخروجه حيا. وان مشكلة الفنان والمفكر في العصر الحديث أنه لا بد ان يتجه الى الجماهير يعيش بها وعليها وضدها. وليس نبيا حتى يمكن إنقاذه.. وليس نبيا حتى يستطيع أن يظل حيا إذا ابتلعه الحوت.. ربما كان هذا هو المعنى الذي أحسست به وانا صغير، ولكن لم أستطع أن اهتدي الى كل هذه المعاني إلا عندما كبرت..

وربما يكون السبب هو أن الاسم أعجبني وحاولت أن أعطي لنفسي معنى فلسفيا صوفيا، أو أكون لغزا عند القارئ، فيظن أنني كاتب كبير وعالم عظيم وأنني متواضع لا أريد أن أكشف عن حقيقتي .. يجوز!