قمة الرياض: مشهد مستحب

TT

يتمنى المرء من أجل تقليل نسبة الحذر العربي من إيران ونخص بالذكر الحذر الخليجي، لو أن الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد أو رئيس هيئة تشخيص مصلحة النظام في إيران الشيخ هاشمي رافسنجاني أو حتى الاثنين معاً، هما من مُستضافي قمة الرياض العربية الدورية التي تبدأ أعمالها بعد غد في الرياض، ذلك أن حضور الاثنين أو أحدهما سيعطي انطباعاً عن وفاق عربي ـ إسلامي له تأثيره بالنسبة إلى التوتر السائد على المستويين الإقليمي والدولي، فضلاً عن أن مسألة الحضور الذي نشير إليه أمر مألوف، استنادا إلى سابقة مشاركة رئيس الحكومة التركية رجب طيب اردوغان في القمة العربية الدورية التي استضافها الرئيس عمر حسن البشير في الخرطوم أواخر مارس 2006، وكان حضوره لافتاً وموضع ارتياح أهل القمة خصوصاً ان حكومته رفضت المشاركة في حرب بوش الابن على العراق انسجاماً مع المشاعر العربية والإسلامية في هذا الشأن على رغم أن قلقها من الموضوع الكردي يفرض عليها خوض غمار غزو العراق والحفاظ على موطئ قدم يفيدها عندما تبدأ سياسة المقايضات. وعندما نسمع الرئيس اردوغان يجدد يوم الأحد 4 مارس للمرة الثالثة خلال اشهر ندمه على عدم مشاركة تركيا مع الإدارة البوشية في غزو العراق يتأكد لنا أن القلب التركي الاردوغاني على الأشقاء العرب والمسلمين تقدَّم على العقل الذي يرى أن مصلحة البلاد تأتي أولا ومسايرة الجار والصديق تحل ثانياً.

ومن ايجابيات مشاركة إيران في القمة الأولى لعبد الله بن عبد العزيز بعدما بات مَلِكاً أنها إلى جانب تقليل نسبة الحذر العربي والخليجي بشكل خاص من إيران، تُنبِّه أهل الحكم الإيراني إلى أمر أساسي وهو أن استقرار جمهوريتهم الإسلامية من استقرار الجيران العرب والمسلمين وان القلق عندما يرتفع منسوبه يصبح حالة خصومة وان الخصومة تفرض على أُولي الأمر أحياناً الاعتماد على نجدة الصديق البعيد لدرء أطماع الأخ القريب، وهذه امثولة تداعيات الغزوة الصدَّامية للكويت يوم الخميس 2 أغسطس (آب) 1990 دليل على ذلك. وفي الوقت نفسه إن من ايجابيات حضور نجاد أو رافسنجاني في القمة كمراقب أن مسؤولية الأمتين العربية والإسلامية إزاء المخاطر التي قد تتعرض لها إيران على نحو ما هو محتمل الحدوث في حال استمرار العناد العنوان الرئيسي في الخطابين الإيراني والاميركي، تصبح اكبر. هذا إذا لم يجد الأشقاء من عرب ومسلمين أن السلوك الإيراني قابل لاستدارة نوعية ومن اجل ذلك فلتتم معالجة الأمور بالحسنى.

ونحن عندما نشير إلى مشاعر الحذر فلأن هذه المشاعر لم تعد مقتصِرة على الأمور السياسية وإنما بدأت تتعاظم على الصعيد المذهبي. وعندما تقرر الدول السبع الإسلامية السُنية، ذات الحضور الفاعل في صياغة القرار الاقليمي، ابتكار صيغة حلف من نوع جديد ويمهد وزراء خارجية هذه الدول، وهي المملكة العربية السعودية ومصر والأردن وتركيا وباكستان واندونيسيا وماليزيا خلال لقائهم يوم الأحد 25 فبراير (شباط) 2007 في إسلام أباد لمؤتمر على مستوى القمة من المتوقع أن يُستضاف بعد القمة العربية الدورية، فهذا مؤشر إلى أن ما يقال في ضرورة تكوين «بدر سُني»، إذا جازت التسمية، في وجه «هلال شيعي» إنما هو واقع ملموس. وعلى رغم أن العضوية مقتصِرة على الدول السبع إضافة إلى أمانة منظمة المؤتمر الإسلامي ولا مجال، ربما حتى إشعار آخر، لبقية الدول الإسلامية السُنية للانتساب، إلاَّ أن احتمال تطوير هذا التجمع بحيث يصبح مثل «الناتو» من حيث ضرورات الإنشاء ومستلزمات التقوية وموجبات التدخل، ليست مستبعَدة في حال أن المشروع النووي الإيراني واصل استكمال مقوماته كسلاح يفرض الأمر الواقع على الغير السُني. ولا بد أن الملك عبد الله بن عبد العزيز أوضح للرئيس محمود أحمدي نجاد خلال لقائهما يوم السبت 3 مارس الجاري في الرياض إن انزعاج أهل الحكم الإيراني من هذا التجمع هو مثل انزعاج الذين اجتمعوا في لقاء إسلام أباد للتمهيد للقاء قمة يدشن ولادة هذا التجمع، وان التفهم الذي لا بد منه لدواعي القلق هو الذي يلغي ضرورة إنشاء مثل هكذا تجمعات.. وبصرف النظر عما إذا كانت محوراً عابراً أو حلفاً ثابتاً. ونشير هنا إلى أن الرئيس نجاد أبدى أمام الملك عبد الله بن عبد العزيز الانزعاج من لقاء دول خط الدفاع الأول للسُنة في العالم الإسلامي معتبراً إياه انه كماشة كفيلة بإحكام الطوق وإلى حد الاختناق على إيران، خصوصاً أن مقومات الدول السبع على درجة من الاقتدار النفطي والمالي والاقتصادي، والموقع الاستراتيجي والنووي والتعاون الخالي من التحفظات مع المجتمع الدولي. ومع أن الرئيس نجاد كان صغير السن عندما رفعت الخمينية، في بداية امتلاكها زمام السلطة في إيران، شعار «تصدير الثورة» وردَّت دول الخليج من خلال «البولدوزر» الصدَّامي على هذه الدعوة بالمواجهة المباشرة، إلاَّ أن ذاكرته المعلوماتية تجعله يتأمل في ظروف استيلاد «مجلس التعاون لدول الخليج العربية»، ويرى أوجه تشابُه كثيرة في ضرورات الاستيلاد بين ذلك المجلس وضرورات استيلاد محتمَل لـ«الحلف السباعي الإسلامي» أو كتسمية مخفَّفة لـ«تجمُّع دول إعلان إسلام أباد» الذي قد تكون بدايته مثل «تجمُّع دول إعلان دمشق» إلاَّ أن مصيره لن يكون مثل هذا الأخير الذي بدأ قوياً ولأحكام الضرورة ودرء الخطر، لكن ما لبث ان بدأ يذوب كالشمعة ثم يترنح ويسقط على الحلبة كمثل ملاكم لم يلتزم بقواعد اللياقة البدنية التي تُبقيه على قيد كسب الجولات.

في سياق التمنيات أيضا يتمنى المرء في ضوء التزام إخواننا في حركة «حماس» بما تم التفاهم في شأنه في لقاء مكة الذي رعاه حتى لحظة إنجازه الملك عبد الله بن عبد العزيز وبعدما كان الثلاثي الذي أنجز، أي الرئيس محمود عباس ورئيس الحكومة المكلَّف إسماعيل هنية والرجل الأقوى في «حماس» خالد مشعل، تشكيل حكومة الوحدة الوطنية أن يكونوا بدءاً من قمة الرياض إلى يمين سعي الملك عبد الله بن عبد العزيز من اجل ترجمة الأقوال الدولية في شأن كيان فلسطيني إلى أفعال وأن لا يكتفي وفد فلسطين إلى القمة برفع الأيدي شكلياً على تجديد التأكيد على «المبادرة العربية» وإنما أن تكون اليد «الحماسية» المترددة مرفوعة بحيوية شأنها شأن اليد «الفتحاوية» المضمونة موافقتها مئة في المئة. أما لماذا نقول ذلك فلأن وصول خالد مشعل فجأة الى الرياض قبل موعد القمة بعشرة أيام للتشاور مع الملك عبد الله ، كان بدأ يمارس اللعبة السياسية على نحو أسلوب الرئيس الراحل ياسر عرفات في هذا الشأن وكيف أن «أبو عمار» كان يخاطب كل طرف عربي أو إسلامي ويتعامل معه بما يُرضي هذا الطرف. ودليلنا على هذا السلوك المِشعَلي أن الأخ خالد تبادل في طهران يوم الثلاثاء 6 مارس 2007 مع الرئيس نجاد كلاماً يعود بذاكرتنا إلى اطروحات سابقة لكل منهما تتعلق بالمقاومة ومصير إسرائيل، مع ان لقاء الاثنين بعد مصادفة اجتماع كل منهما بالملك عبد الله بن عبد العزيز في الرياض في فترتين متباعدتين، وما كانت عليه المحادثات لكل منهما في ذلك اللقاء، تفرض عليهما اعتماد مفردات اقل تشدداً في موضوع الصراع مع إسرائيل. لكن الذي قرأناه لكل منهما يترك انطباعاً مغايراً حيث أن الرئيس نجاد قال لضيفه الفلسطيني المرموق، الذي جاء ليحيطه بما تم الاتفاق عليه في لقاء مكة مع الرئيس محمود عباس في شأن تشكيل حكومة وحدة فلسطينية، تلتزم بالاتفاقات التي عقدتها السلطة في الزمن العرفاتي، وبعض الزمن العباسي مع إسرائيل «أن الكيان الصهيوني يمر في أسوأ مرحلة في حياته ، ويتجه نحو الاضمحلال ، وان النصر الإلهي الذي حققه إيمان ومقاومة الشعب الفلسطيني المظلوم سيظهر إلى العيان قريباً، ولذا فإن وحدة المقاومة من شأنها بعد التوكل على الله أن تمهد الطريق لإخراج الغاصبين الصهاينة من الأرض الفلسطينية المقدسة ، وعدم بقاء شبر منها تحت الاحتلال...». وهذا الكلام الوجداني الروحاني جعل خالد مشعل يكرر أمام نجاد «رفض حماس الاعتراف الرسمي بالكيان الصهيوني الغاصب... الخ».

وما يمكن قوله كإضافة إلى كلام مشعل هو أن الرعاية العربية من جانب قمة عبد الله بن عبد العزيز وعلى قاعدة التفهم الموضوعي للموقف الدولي من شأنها أن تحقق للقضية الفلسطينية ما ليس في قدرة إيران بالتحليل النجادي الذي اشرنا إليه تحقيقه. ولو أن خالد مشعل تمنى على الرئيس الإيراني، الذي يعيش حالة انتظار زوال إسرائيل، دعم «المبادرة العربية» لكان أمكن القول أن القطب الحماسي المرموق لا يستنسخ السلوك العرفاتي في مخاطبة الإطراف المعنيين بالقضية الفلسطينية، كل وفق ما يُرضي عنفوانه وينسجم مع طروحاته.

ويبقى التمني الأخير وهو أن يأخذ رموز الأزمة اللبنانية في الاعتبار أن قمة الرياض هي خشبة الخلاص، فإذا هم اغتنموا الفرصة تكون الأزمة انحسرت، أما إذا لم تُسعفهم الفطنة عمداً أو لسوء الحظ فإنهم والوطن عرضة لما لا يمكن علاجه، فضلاً عن أن لفتات الاهتمام السياسي والمالي التي أمكن من خلالها إبقاء القلب اللبناني ينبض قد لا تتأمن حتى من اعز الأصدقاء الدوليين واقرب الأشقاء الإقليميين. ومن المؤكد أن العزلة في هذه الحال ستكون شاملة وقاتلة. وعلى هذا الأساس فإن مفاجأة من جانب رموز الأزمة تتمثل في الظهور أمام القمة متآلفي القلوب متحابين متقاسمين نعمة الوطن ستكون موضع ترحيب. وما نقصده بالمفاجأة هو أن تستعيد الحكومة اللبنانية وزراءها الذين استقالوا، وأن يضع مالكو الرئاسات اللبنانية الثلاث وبصيغة الاحتكار نهاية للمطاردة التي هي أشبه بمطاردة «توم» لـ«جيري»... أو العكس لا فرق.