ممنوع الحديث عن الكرة والسياسة

TT

أخواننا السودانيين هم الذين اخترعوا الحكمة الشهيرة: «يا تدق كفر يا تعزف وتر»، والتي تشير إلى أن أقصر الطرق للشهرة أن تكون لاعب كرة قدم، أو فنانا تغني وتعزف على الوتر.. لكنهم رغم اختراعهم لهذه الحكمة البليغة إلا أنهم غابوا طويلا عن «دق الكفر» بعد أن كانوا من أسياد كرة القدم الأفريقية قبل عقود، وكانوا يصدرون اللاعبين لمصر والسعودية ودول الخليج، حتى أن الهلال السوداني جاء ليقابل بعض الفرق السعودية في نهاية الخمسينات، ورغم تجميدهم للكرة قبل نهاية إحدى المباريات فازوا بسبعة أهداف مع الرأفة.. ومن الطريف أن الفريق الذي كان يقابل الهلال السوداني في جدة يتشكل من 11 سودانيا أيضا، فلقد كان جل لاعبي الكرة في أنديتنا السعودية آنذاك من الإخوة السودانيين، وأشهر لاعبينا السعوديين تلقبوا بأسماء لاعبين سودانيين مشاهير مثل: الغراب والسمح وغيرهما.. وحسنا أن أخبار انتعاش الكرة السودانية اليوم بدأت تكسر نمطية الأخبار التي تصدرها السودان.

وحينما هبطت ـ ذات يوم في نهاية الستينات ـ الطائرة التي تقلنا من جدة إلى أسمرة اضطراريا في مدينة بور سودان، ذهبنا إلى أحد مقاهي المدينة، ففوجئنا بلوحة كبيرة معلقة في مكان بارز كتب عليها: «ممنوع الحديث عن الكرة والسياسة»، وكان صاحب المقهى رجلا خفيف الظل، فحينما وجدنا نبحلق في اللوحة اقترب منا وقال: «لا شيء هنا يمكن أن يجلب الخلاف بين السودانيين أكثر من الكرة والسياسة، ولذا قررت أن أمنع تداولهما في هذا المقهى بحثا عن راحة البال».. ولم تمض سوى دقيقة حتى راح صاحب المقهى يمزق بيده قانون مقهاه، وهو يسألنا عن ذكرياتنا مع اللاعبين السودانيين في السعودية: عمر حامد وعبد الحفيظ وحربي وجنجا وسيد مصطفى وحسن العبد ودنادانا وغيرهم، قبل أن ينتقل إلى المحظور الآخر، ويصب جام غضبه على السياسة والسياسيين.. وحينما لاحظ دهشتنا صاح على صبي المقهى آمرا له بلهجة ظريفة أن يدير اللوحة على وجهها الآخر، وتكمن المفاجأة في الوجه الآخر من اللوحة: «مقهى الحاج أبو الريح ترحب بضيوف قمة الخرطوم، وتهنئ زبائنها بانتصارات المريخ».

والخلاصة: إن قال لك السوداني إنه لا يحب الكرة ولا يطيق السياسة، فتذكر ـ رحمك الله ـ أن للوحة الحاج أبو الريح وجها آخر.

[email protected]