رسالة إلى قادة الأمة وحاملي الأمانة

TT

أبدأ رسالتي لكم يا قادة الأمة.. وحاملي أمانتها بالتعبير عمّا يعتمل في نفسي ونفس كل عربي ومسلم من فرحة باجتماعكم.. وأتوجه إلى المولى سبحانه وتعالى ومعي كل قلب ينبض بحب هذه الأمة بالدعاء والتضرع بأن يكلل لقاءكم بالنجاح والتوفيق.. كيف لا وأنتم تحملون أغلى أمانة.. الأمانة التي قال عنها الرب سبحانه وتعالى: «إنا عرضنا الأمانة على السموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوماً جهولاً» صدق الله العظيم.

والأمانة التي تحملونها هي نفسها التي حملها قادة الأمة منذ إنشاء جامعتنا الحبيبة.. لكنها اليوم أكبر وأخطر وأثقل من أي وقت مضى.. فالهوة الحضارية بين أمتكم وبين شعوب الأرض الأخرى تتسع بشكل مفجع ولصالح الآخرين دائماً.. أما قضايانا الكبرى والصغرى.. المزمنة منها والمستحدثة.. فهي بحاجة ماسة لاجتماع القلوب والعقول والسواعد.. ألم يعلمنا تراثنا الغني بكنوز الحكمة أن العِصِي عَصِيَّةٌ إذا اجتمعت.. هَشَّةٌ ضعيفة إذا تفرقت.

واسمحوا لي أيها الأحبة بجملة اعتراضية.. فأنا لم أكن لأكتب هذه الأسطر لولا قناعتي التامة بسلامة نياتكم وحسن مقاصدكم وحبكم الذي لا يرقى إليه شك لأمتكم وحرصكم على مستقبلها.

أيها القادة الكرام: تدركون جميعاً أن الرجل الذي تجتمعون اليوم في ضيافته ليس بحاجة إلى زعامة أو مكانة.. يكفيه فخراً وعزّاً أن يلقب خادم الحرمين الشريفين.. ويكفيه مكانة كل هذا الحب والولاء الذي يحيطه به شعبه بشهادة العدو قبل الصديق.. وهو.. هو من عرفتم.. عربي صافي العروبة.. مسلمٌ يملأ قلبه اليقين.. وإنسانٌ يحب الخير لأهله وللناس أجمعين.

هكذا كان والده.. وهكذا كان من سبقه من أخوته.. وهكذا هم أخوته اليوم وأهله.

فمرحباً بكم بين أهل محبين مشفقين.

أيها القادة الكرام: لعلكم وأنتم تتجهون صباح هذا اليوم إلى مقر اجتماعاتكم الموفقة ـ بإذن الله وعونه ـ تسألون أنفسكم: ما هو المطلوب منا في هذه اللحظة الصعبة والقاسية؟؟ واقع الحال يقول إن ما هو مطلوب منكم يتخطى بكثير حلحلة المشكلات أو وضع المراهم فوقها أو حولها.. ما هو مطلوب ـ يا قادة الأمة وأملهاـ لا يقل عن الخروج برؤية شاملة تساوي أو تفوق حجم التحديات، وتقدم لهذه الأمة رؤية واقعية استشرافية محكمة الأطر والقواعد.. رؤية تفرز موقفاً أو مواقف منسجمة مع حقائق التاريخ والجغرافية، تأخذ في حسبانها المأمول والممكن، وتمزج بينهما في إطار ونسق لا تعيقه المصالح الضيقة أو النزاعات الفردية.. يرتبط بها آليات عمل وأساليب حل واضحة لا تترك للتفسيرات المختلفة والمخالفة مجالاً أو فرصة، وتقفل الطريق أمام الأعداء والمغرضين الذين تعودوا إفساد كل تفاهم أو تقارب عربي.

والحقيقة التي لا مفر من مواجهتها هي أنه لا سبيل إلى استعادة احترام أمم الأرض دون وقفة عز وشموخ وتعال على الجراح والحزازات، تعيد للأمة احترامها، وتعيد لمؤسسة القمة ما فقدته من هيبة ومكانة.. ولنكن صرحاء فنقول: إن شعوبكم أيها القادة الكرام قد سئمت الخلافات الصغيرة والمفتعلة.. وهي تكبر وتتمدد في مخيلة الرأي العام العالمي كشعوب مشاكسة تستمرئ إثارة الخلافات والعيش عليها.. إن هذه الصورة النمطية التي شاعت عن أمتكم، والتي تصفها بالعدوانية وعدم احترام الآخر، واحتضان الإرهاب، وانعدام الشعور بالمسؤولية، وانفلات الغرائز الجامحة، ستأخذ شكل الحقيقة وقالبها إن لم تأخذوا على عواتقكم مهمة تصحيحها من خلال موقف موحد، ورؤية رشيدة للمستقبل في زمن لم يعد بإمكان أحد أن يحجب أو يخفي فيه أو عنه ما يريد.

أيها القادة الكرام: إن على هذه الأمة وقياداتها الراشدة ـ ونحسبكم كذلك ـ أن تجيب في هذه المرحلة الحاسمة من تاريخها عن هذا السؤال المهم والمفصلي: هل سيبقى القرار العربي في مهب الريح متاحاً ومستباحاً من الخارج؟؟ أم أننا عقدنا العزم على استعادة امتلاك هذا القرار، والارتفاع إلى مستوى المسؤولية التاريخية، والاستجابة لنداءات شعوب ملت حالة التمزق والفرقة، واستجداء العون والمدد ممن لا يعنيه مصيرها ومستقبلها.

السؤال الذي لا مناص من مواجهته ـ أيها القادة الكرام ـ يتلخص في كلمتين: هل تريدون أن تكونوا جزءاً من المشكلة؟ أم تتوقون لأن تكونوا جزءاً من الحل؟ وإذا كانت هي الأخرى فالطريق واضح لا تخطئه العين: الوفاق ـ الوفاق ـ الوفاق.

أيها القادة الكرام: ماذا لو أغمضنا أعيننا وتصورنا بياناً ختامياً تتفقون جميعاً على جميع بنوده.. وتلتزمون جميعاًـ كل فيما يخصه ـ تنفيذ متطلباته.. وتحددون الآليات الدقيقة والواضحة لتفعيله.

ماذا لو قال كل واحد منكم لنفسه: حسناً.. فلنتجاوز ولعام كامل عن كل طريق يؤدي إلى الخلاف أو الاختلاف.. عام نلتزم فيه أمام الله والناس، وأمام ضمائرنا وشعوبنا بتغليب نزعة التشاور على رغبة التفرد.. لنجمد كل الفتن القائمة والنائمة.. ولننظر ماذا يحل بنا!!

سيقول قائل: إن في هذا تبسيطاً شديداً للأمور.. وسيخرج لنا قائمة طويلة بأحداث ووقائع مؤلمة مؤسفة.. ثم يسأل كيف يمكن تجاوز كل هذا؟؟

وجوابنا: إن تجميد الخلافات لا يعني بالضرورة إلغاءها.. إن التجميد أو التأجيل يمكن أن يأتي بمعطيات جديدة.. يمكن أن يعيد بعض الخلافات إلى حجمها الطبيعي.. ويمكن أن يقلص بعض الخلافات ويحجمها.. ويمكن.. ويمكن.

لقد جربنا طريق تصعيد الخلافات.. ومكنّاها أحياناً من تقزيم الجامع والمشترك بيننا حتى أصبحت هي ـ وليس الجامع المشترك ـ السمة المميزة لواقعنا.

أيها القادة الكرام: قيل فيما قيل: إن قمتكم هذه هي قمة القمم.. وحقيقة الأمر أن هذا التوصيف رغم ما يظهر عليه من مبالغة هو أقرب الأوصاف إلى تطلعات شعوبكم.. فالعجوز الفلسطينية التي رأيتم الكلاب وهي تنهش لحمها.. والأم العراقية التي خرجت تُوَلوِل في العراء.. تنعي زوجها وأبناءها.. ولبنان الذي توقفت في عروقه أوجه الحياة ـ أو كادت ـ ينتظر ومعه الصومال والسودان والأمن القومي، والأمن الاقتصادي، والأمن الثقافي والتربوي،.. وغيرها كثير.. فالنار أيها القادة الكرام تشتعل في أجزاء كبيرة من البيت العربي.. والمراهم وحدها لا تكفي.

يقول الحق سبحانه وتعالى: «إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم».. صدق الله العظيم.