.. وللقمة صور أخرى!

TT

«..إن اللوم الحقيقي يقع علينا نحن قادة الأمة العربية، فخلافاتنا الدائمة، ورفضنا الأخذ بأسباب الوحدة، كل هذا جعل الأمة تفقد الثقة في مصداقيتنا، وتفقد الأمل في يومها وغدها» لو لم تخرج قمة الرياض إلا بهذه العبارة التي قالها الملك عبد الله بن عبد العزيز لكان ذلك كافيا.

نحن في حاجة للمصارحة مع النفس، وهذا ما حدث بالرياض، حيث أظهرت الصور قادة يشبهوننا بابتساماتهم، لا قادة متجهمين، ولا زعيما حالما واهما ينظر للسماء مخونا الجميع.

هل حلت كل الملفات؟ بالطبع لا! وإنما تبددت غيمة سوداء. خرجت سوريا من عزلتها، وعلها تحل العقد، وهذا ما سنراه، وقد سمعنا العاهل السعودي يقول إن لبنان «تتحول شوارعه إلى فنادق».

كذلك عقلن السودانيون مواقفهم، ورأينا العراقيين في مكانهم الصحيح، وقيل لهم ما يجب أن يقال. كما تم تفعيل المبادرة العربية، وقبلها العرب، ورحبت بها الخارجية الأميركية، والإسرائيليون منقسمون حولها.

لكن ماذا عن عبارة «احتلال أجنبي غير مشروع» بالعراق وهذا نص كلام العاهل السعودي، ورد الفعل الأميركي؟ تعريف الأمم المتحدة للوجود الأميركي بالعراق أنه احتلال. ولم نسمع عن احتلال بغيض واحتلال حميد.

فبدلا من أن يحتفى بما قاله العاهل السعودي عن لوم القادة لأنفسهم، وهذا ما لم نسمعه من قبل، نسمع اليوم عن من يتحدث عن محاولة سعودية يزعم أنها لتجنب الظهور بمظهر الحليف لواشنطن ليتسنى لها قيادة المنطقة. وهذا كلام غير منطقي، فلا يمكن أن تكون قائدا من دون حلفاء، وعلاقات مميزة مع المجتمع الدولي، على أن تراعي مصالح بلادك، وشعبك، وإلا كانت الكارثة.

وهناك مبالغة في تصوير الأمور، وخير مثال اعتذار الملك عبد الله بن عبد العزيز عن دعوة بوش له لتناول العشاء في أبريل بالبيت الأبيض. صور الأمر على أن السعودية تخشى إيران ولا تريد أن تظهر حليفا لواشنطن. والحقيقة أن إحدى أهم أوراق السعودية في المنطقة حسن علاقاتها مع أميركا وأوروبا، حيث للرياض مصداقية تمنحها دور الوسيط الجاد، وهذا ما قامت به حتى بين واشنطن وبكين، ونتج عنه إطلاق سراح طاقم طائرة أميركية في بداية ولاية بوش الأولى.

تقصيت من مصدر بالرياض عن الاعتذار عن دعوة العشاء فقال لي إن الرد السعودي كان «لا مشكلة لدينا يا فخامة الرئيس نلبي دعوتكم، ولكن ما الذي سنخرج به من هذا اللقاء؟ هل هناك أمر محدد نخرج به للناس ونقول هذه نتيجة الزيارة؟ لا نريدها زيارة فقط للزيارة، بل للخروج بنتائج».

وهذا كلام واقعي، فالعاهل السعودي ليس زعيما يريد الخروج من عزلته بالتقاط صور بالبيت الأبيض، عكس موقف القطريين، حيث علمت من مصدر بواشنطن أنه عندما طلب من القطريين التصويت على العقوبات الأخيرة ضد إيران، كان الرد القطري على لسان مسؤول كبير بالدوحة «تطلبون منا أشياء ونلبيها، لكنكم لا تلبون مطالبنا، فمن أكثر من سنة وأميرنا يريد زيارة واشنطن وانتم ترفضون، وحتى وزير الخارجية زاركم ثلاث مرات مؤخرا ورفض البيت الأبيض استقباله».

مشكلة واشنطن أنها تريد ضرب إيران، لكنها تترك لها الحبل على الغارب بالعراق، وتريد كسر ظهر سوريا، وتهمل الاحتلال الإسرائيلي للجولان والمعاناة الفلسطينية.

فالأميركيون لم يستمعوا لنصيحة عدم اجتثاث البعث انتقاما، لان الانتماء للبعث كان بطاقة عمل، لا آيديولوجيا. ولم يستمعوا لنصيحة عدم حل الجيش، والتسرع بإجراء انتخابات. فهل على السعودية أن تصمت ولا تعبر عن قلقها، خصوصا إذا ما انسحب الأميركيون بسرعة من العراق، فسنكون حينها على مشارف حروب جديدة، وموجة إرهاب تحرق الأخضر واليابس.

مصارحة واشنطن لا تعني تحسين صورة الملك السعودي، ولا عداء لبوش، فعلها العاهل السعودي من قبل مع بيل كلينتون حين قال له «للصداقة حدود يا فخامة الرئيس». وسبق أن أرسل مهددا بقطع علاقات بلاده مع واشنطن في أغسطس 2001 بسبب الفلسطينيين.

فمن لا يكون صادقا صريحا لا يستحق أن يوصف بقائد، ولذلك نقول إن لوم الملك السعودي لنفسه والقادة العرب في الرياض دليل على أن هذا الرجل، لا يبحث عن زعامة، بل يريد الخروج بالمنطقة من صراعات سنكون جميعنا ضحاياها.

 

[email protected]