سيدي الرئيس: إن خلطتك العشبية مضروبة!

TT

لبعض أهل السياسة صرعات خاصة أحيانا، كأن يتحولوا إلى روائيين وشعراء كما نهج صدام، و«منظرين» كما فعل القذافي في قناة الجزيرة ليلة القمة.. وهذا محتمل رغم ملوثاته للعقل الإنساني، لكن أن يتحولوا إلى أطباء فهنا تكمن الكارثة؛ فالمريض في هذه الحالة سيضطر إلى تناول دوائه بقرار جمهوري، ومن أين نأتي بمريض استشهادي يجرؤ أن يقول للرئيس: إن خلطتك العشبية ـ يا سيدي ـ مضروبة؟

وهذا أمر يشكر عليه أولئك السياسيون العرب؛ فهم حتى الآن في منأى عن الطب، وحسنا فعلوا ويفعلون.. فنحن على استعداد أن نقرأ لهم ألف رواية، وكل كتبهم الخضراء والحمراء والرمادية، ونشاهد ونستمع لمختلف حلقاتهم التلفزيونية والإذاعية، لكن كل ما نتمناه ألا يحلموا بخلطات عشبية أو عمليات جراحية، وأن يدعوا مرضانا يموتون في دعة وسلام.

ومناسبة هذا الحديث ترتبط بما يقوله الرئيس الجامبي يحيى جامع: إن بإمكانه علاج الإيدز خلال ثلاثة أيام فقط بواسطة خلطة عشبية اكتشفها أثناء نومه حينما زاره في منامه طيف أحد أقاربه المتوفين ليخبره بتفاصيل الوصفة.. ومن بين من شهد للرئيس وزير صحته؛ إذ أكد أن لديه ثقة 100% في الرئيس، وفي أعشاب الرئيس، ويقول: إن مرضى الرئيس تحسنت صحتهم، وزادت أوزانهم، و«كله تمام التمام يا فندم»..

وقد طلب أهل الطب والعلم والخبرة، وفي مقدمتهم البروفسور كوفاما، الذي يترأس فريق أبحاث الإيدز في جنوب أفريقيا، من الرئيس الجامبي يحيى جامع أن يراجع أو يتراجع عن حلمه، وهم يؤكدون أن ادعاءه لا صحة له جملة وتفصيلا؛ فدورة علاجية مدتها ثلاثة أيام أمر غير ممكن تحقيقه في علاج مرضى الإيدز، بل إن على البشرية بكل تقنياتها الحديثة أن تنتظر سنوات طويلة قبل الوصول إلى علاج حاسم لهذا المرض القاتل، لكن الرئيس بمباركة وزير صحته يبشر العالم بإنهاء معاناته مع ذلك المرض خلال ثلاثة أيام فقط.

ولست أدري لماذا تذكرت الآن ذلك الكتيب الصغير التقليدي، الذي كتب على غلافه: «كيف تتعلم الإنجليزية بلا معلم خلال 3 أيام فقط؟»، فمن يدري، إذ ربما نقرأ قريبا كتابا بعنوان: «كيف تعالج نفسك من الإيدز بدون طبيب خلال ثلاثة أيام فقط؟»..

وكان الله في عون العالم الثالث والأخير.

[email protected]