ما بعد القمة

TT

أسدل الستار على أعمال مؤتمر القمة العربي الأخير، الذي عقد بمدينة الرياض، ولا تزال بعض المحطات واللقطات فيه مصدر تعليقات وتمعن ومراجعة. فبداية كان خطاب الافتتاح لملك الدولة المضيفة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز لافتا ومختلفا، فكان بعيدا عن الخطابات الثورية المليئة بالشعارات الجوفاء، التي ملت الشعوب من سماعها، ولم تعد تبعث إلا على التثاؤب والملل والنعاس لمن يستمع اليها. فلقد كان لافتا النقد واللوم الذاتي، الذي وجهه الملك «لقادة العالم العربي» في اشارة واسعة الى موقع المسؤولية وعلى من تقع، وكيف أن هذا القصور في تنفيذ طموحات الشعوب والخلافات البينية، هو الذي ولد هذه الفجوة في الثقة بين الناس وحكامهم في العالم العربي. وكان لافتا جدا حجم «الحراك» الايجابي وتسليط الضوء العملي على أهم الملفات والقضايا والتحديات، فالحراك طال الملف الفلسطيني والملف العراقي والملف السوداني، وطبعا الملف اللبناني، وكانت هناك روح ايجابية تسود أجواء اللقاء بامتياز وتقدير «شخصي» واضح لمقام خادم الحرمين الشريفين من الضيوف الحاضرين، وطبعا كان هناك تفاوت في النتائج النهائية المقررة، نظرا لتباين حاد في النوايا والاجندات لبعض الاطراف. إشراك أطراف دولية فاعلة ومهمة، كالامم المتحدة والاتحاد الاوروبي ومنظمة المؤتمر الاسلامي، وغيرها أضفى بعدا مؤسساتيا مهما على الحدث، مع عدم إغفال أنه قد يكون شكل أيضا عنصر ضغط معنوي على جامعة الدول العربية نفسها، للتنسيق والتشاور وحسن الجاهزية لضمانة سلاسة النتائج. غريب حال العالم العربي عندما تظهر الشخصيات التي تقسم بأن لها القيادة والزعامة وتتحدث باسم الشــعب وباســم الثورة وباسم الامة، وغيرها من الديباجات الجـاهزة، يكــون ذلك نذير شؤم ودماراً على المنطقة، فتنطلق الحروب والاعتداءات والتدخلات البينية ناهيك من الاحتلال الصريح والحرب الصريحة على الاخوان في العروبة.

وعليه فان قيادة العالم العربي اليوم، انتقلت بهدوء شديد وبقناعة مطلقة لشخص مقام خادم الحرمين الشريفين، الذي تبناها وتقبلها بواقعية وعقلانية بعيدة عن المبالغة والاثارة. يبقى التحدي الأهم والأبلغ هو البناء على العنصر النفسي المهم جدا، الذي تم انجازه، ومواصلة التطرق للملفات التي لا تزال مفتوحة، ولعل أهمها هو الملف اللبناني، الذي لا تزال المعارضة تحاول «وبرخص» كسب الوقت حتى تنتهي الفترة البرلمانية للبرلمان الحالي (ويساعد على ذلك أن رئيس البرلمان أغلقه وأبقى المفتاح في جيبه وقبع في منزله!)، وكذلك التمهل حتى انقضاء فترة رئاسة شيراك بفرنسا (وهو المحامي الأبرز عن المحكمة الدولية بين زعماء العالم)، والانتظار حتى تقارب فترة الرئيس لحود على الانتهاء والاتيان بخيار جدلي من جديد. كل ذلك كان من الممكن التصدي له لاثبات أن القمة أتت بنتائجها، ولكن يبدو أن الملفات ليست كلها على ذات السوية والنوايا، مهما ظهرت محاسنها تبقى مسائل ما في الصدور وأولويات أخرى على الأرض. عندما وضع السعوديون ملصقات على سياراتهم تحمل صور الملك عبد الله وشعار صقر قريش، لم يفهم معناها البعض، ولكن أعتقد أنه بعد انتهاء أعمال قمة الرياض الأخيرة سيكون هذا لقب يردده الكثيرون في حق رجل صالح وملك كسب محبة واحتراما.

[email protected]