القمة العربية والحكومة الكويتية

TT

حدثان سياسيان جريا الأسبوع الماضي أظن بأن التشابه في سياقهما كبير جدا، الأول تمثل في تشكيل الحكومة الكويتية بعد أطول فترة انتظار دامت أسابيع، والثاني في عقد القمة العربية التاسعة عشرة في الرياض بعد يوم واحد من تشكيل الحكومة الكويتية.

الحكومة الكويتية هي الثالثة التي يشكلها الشيخ ناصر المحمد الصباح، والقمة العربية هي القمة التاسعة عشرة التي عقدت بجهود جبارة من الملك عبد الله. الحكومة ولدت بعد مخاض عسير، والقمم العربية فقدت بريقها بعد أن فقدت الشعوب العربية الإيمان بنتائجها وآثارها على القضايا العربية.

لكن الدول لا تستقر بلا حكومات، والتضامن العربي مطلوب ولو شكليا لإنقاذ ما يمكن إنقاذه في زمن الانحدار العربي. وعليه فقد تشكلت الحكومة الكويتية، وعقدت القمة العربية.

القوى السياسية في الكويت مجمعة على أن الشيخ ناصر المحمد رجل صادق النوايا، وبأنه سينهج سياسة الإصلاح والتصدي للفساد وتبني خطط تنموية في البلاد، والعرب مجمعون على أن الملك عبد الله شخصية صادقة النوايا، عروبية التوجه، مخلصة الجهود تجاه توحيد المواقف العربية، وشجاع في الانتصار للقضايا العربية وعلى رأسها القضية الفلسطينية.

الشيخ ناصر شكل حكومة «قرقيعانية» من كل الاتجاهات السياسية الكويتية، ففيها الإخوان المسلمون والسلف والشيعة والمستقلون والحكوميون ومن يدعون أنهم ليبراليون.

الملك عبد الله يعمل جاهدا على حقن دماء العرب في العراق وفلسطين والسودان والصومال ولبنان، والشيخ ناصر بتوليفته الحكومية يحاول التعايش مع البرلمان دون استجوابات تعيق خططه التنموية وبرامجه الإصلاحية.

المبادرة العربية تنشد تحقيق السلام وإقامة الدولة الفلسطينية، وتهدف إلى وقف النزيف الفلسطيني واستمرار احتلال أرضه، والتأخير في تشكيل الحكومة الكويتية ينشد إرضاء جميع الأطراف السياسية من أجل التعايش معها، وخلق علاقة تعاون بين الحكومة ومجلس الأمة. شجاعة الملك عبد الله وصراحته ألقت باللوم على القادة العرب أنفسهم في وصول الحالة العربية إلى هذا التدهور، وهذه سابقة نادرة تسجل له وللقمة التي عقدت الأسبوع الماضي.

فهل تنجح القمة في تنفيذ أهدافها؟ وهل تحقق الحكومة الكويتية الجديدة الاستقرار المطلوب في العلاقة بين السلطتين؟

«الوصايا ما تجيب البل (الإبل)» كما يقول البدو، والنوايا الحسنة التي يحملها الشيخ ناصر المحمد لا تكفي وحدها لعميلة الإصلاح في الكويت، «فالشق عود» كما يقول أهل الخليج، والظن بأن التشكيل الملون للحكومة يضمن نجاحها، ظن في غير محله، فالحكومة التي ستعمل على تحاشي الصدام مع البرلمان، حكومة مشلولة، ولن يكتب لها النجاح.

كما أن إخلاص قائد بحجم الملك عبد الله يحتاج إلى تضافر كل الجهود العربية مجتمعة، وأن تخلص كل النوايا لدى كافة القادة العرب، وهذا من ضروب المستحيل. ففي الرياض عقدت القمة بحضور قادة عرب تراهم جميعا وقلوبهم شتى، فاللبنانيون حضروا بوفدين، والسوريون يعترفون بوفد واحد، والصومال في حالة حرب أهلية، ودارفور تم تدويلها، والفلسطينيون يعيشون حالة تاريخية من التشرذم والحصار، والعراق مشتعل بالجرائم الدامية التي يغلفها الطائفيون بمبررات دينية، والصحراء الغربية ما زالت معضلة في المغرب العربي، والقذافي لم يحضر... ولعل غياب العقيد معمر القذافي ميزة لهذه القمة وإحدى حسناتها وربما أحد أسباب نجاحها. صحيح بأن من المؤسف أن تغيب ليبيا العربية، ولكن حضور القذافي للقمم العربية كان يصاحبه دوما فذلكات إعلامية، وتصرفات غوغائية تشغل المتابع عن المسائل الأساسية.

جاحد من ينكر الجهود التي قامت بها المملكة من أجل رص الصف العربي في القمة الأخيرة، وظالم من يجحد جهود حكومتي الشيخ ناصر السابقتين للإصلاح، فهل يكفي ما عمله الرجلان لتحقيق أهدافهما السامية؟ أتمنى!.. أشك..!.. أتفاءل..!